كأن قدر المواطن اليمني أن ينتقل من جحيم إلى آخر، وقد يعيش في أكثر من جحيم في وقت واحد، وكلُّ يوم يُمنِّي نفسه بانفراجٍ قريبٍ ثم لا يلبث أن يصاب بخيبة أمل تتكرَّر باستمرار حتى أصبحت روتينا وجزءا لا يتجزَّأ من الجدول اليومي لهذا المواطن، الذي لا ينفكُّ يردِّد أغنية أبوبكر سالم بلفقيه "كلما صفت غيَّمت". الأجواء مفتوحة فوق رأس هذا المواطن لتساقط النكبات والقذائف الأمريكية من طائرات دون طيار، وتساقط الطائرات السيخواي التي تطير دون صيانة، أو أن هناك من يقوم بإسقاطها، وفي كلتا الحالتين:دون طيار أو دون صيانة هي جريمة حتى وإن بقيت مقيَّدة ضد مجهول. ما الذي بقي لم يتحمَّله المواطن اليمني!! ضرب كهرباء.. تفجير أنابيب نفط.. تقطُّعات.. اعتداءات.. اعتصامات.. دراجات نارية.. تفجيرات.. اختطافات.. تهريب أطفال.. شحنات أسلحة.. أغذية فاسدة.. سموم ومبيدات.. سوء تغذية.. فقر.. جهل.. مساعدات.. مؤتمرات مانحين.. مشايخ.. حكومة فاسدة.. معسكرات أكثر من الحدائق.. إصلاح.. حراك.. حوار وطني.. رجال دين.. أحزمة ناسفة. بلاوي كثيرة يتجرَّعها المواطن اليمني، ولم يعد يتذمَّر من شيء، فقد اعتاد على كلِّ شيء، ولم يعد يحلم سوى أن يمرَّ يومه بسلام.. فقد قُتِلت طموحاته وأصبح مشغولاً بملاحقة لقمة العيش في حدودها الدنيا، وصار يقنع بالقليل الذي لا يلبِّي احتياجاته واحتياجات أسرته.. ولم يعد يتأثر بأي كارثة، ليقينه أن الطعنة لا تضرُّ المقتول، فقد وصل إلى مرحلة السلخ بعد الذبح. لم يعد هناك ما يرضي هذا المواطن سوى الهجرة إلى بلادٍ تعترف بحقوقه كإنسان، وتحرِّك أساطيلها من أجله كمواطن.. لكنه لا يجد الفرصة، وإن وجدها لا يجد تكاليفها، فيبقى رهين سجنٍ كبيرٍ ينتظر آخر ورقة في تقويم عمره المليء بالأمل والخيبات.