أدى الفيروس المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) المعروف باسم كورونا إلى تزايد أعداد الوفيات في المملكة العربية السعودية بعد أن انتشر في خمس مدن على الأقل. ولم يعرف بعد علاج لهذا الفيروس وسط مخاوف من تطوره.
ويروي مارك لوبل، مراسل بي بي سي في منطقة الخليج، من دبي أن شخصا يدعى فؤاد حادثه هاتفيا من جدة حيث كان في طريقه إلى مركز تسوق هناك، وكان يتحدث كما اعتاد خلال الأسابيع الأخيرة عبر قناع طبي يغطي أنفه وفمه.
وقال فؤاد الذي يعمل طبيبا، وهو في الخمسينيات من عمره، إنه لاحظ تناقص أعداد المتسوقين حوله أقل من المعتاد ، لذا انتابه الشعور بالقلق.
وأضاف : "أستيقظ كل صباح وأشعر بصعوبة في التنفس وأبدأ في الشعور بالذعر. حتى الألم الخفيف في حلقي يزعجني. نحن نعيش في خطر، وهذا هو ما يتبادر للذهن طوال الوقت".
أنتاب هذا الشعور فؤاد طيلة الأسابيع الماضية، وهو الآن يعيش بمفرده بعد أن غادرت زوجته وأخته وطفلها السعودية خوفا من العدوى بالفيروس القاتل (MERS)، الذي سبب شرخا في المجتمع السعودي.
وينتمي فيروس كورونا لنفس عائلة الفيروسات التي تسبب الإصابة بنزلات البرد الشائعة، إذ تبدأ الأعراض بحمى وسعال أشبه بالإنفلونزا ويمكن أن يؤدي إلى صعوبة في التنفس والتهاب رئوي.
وتوفي 126 شخصا على الأقل في المملكة كما أصيب أكثر من 463 شخصا منذ ظهور الفيروس هناك في سبتمبر/ أيلول 2012.
خط المواجهة وسُجل أعلى معدل للإصابة بالفيروس بين العاملين بالمستشفيات، ويعرف فؤاد شخصيا ثلاثة أطباء وممرضة كشفت الفحوص الطبية مؤخرا إصابتهم بالمرض.
سُجل أعلى معدلات الإصابة بين العاملين بالقطاع الصحي في السعودية
ويرجح أن يكون الأشخاص الأربعة قد أصيبوا بعدوى الفيروس من خلال عملهم بالمستشفيات. وتم اكتشاف إصابة اثنين منهم بالفيروس بعدما شعرا بمرض شديد ووضعا على أجهزة التنفس الصناعي في غرف العناية المركزة.
لكن طبيبة من بين الأربعة لم تكتشف إصابتها بالفيروس إلا بعد أن طلبت الخضوع للفحص كإجراء وقائي رغم عدم ظهور أي أعراض عليها.
وتعافي المصابون الأربعة تماما بعد فترة قضوها في العزل.
ولم يكتشف حتى الآن علاج محدد لفيروس كورونا أو لقاح للوقاية منه. وبرغم أنه ليس مميتا بالضرورة، يقدر الخبراء عدد من يتوفون بنحو ثلث المصابين بالفيروس.
وتزداد خطورة الوفاة عند كبار السن ومعتلي الصحة الذين يعانون من أمراض مزمنة على نحو أكبر مقارنة بغيرهم من المصابين.
كما تتزايد مخاوف الإصابة بالفيروس بين العاملين بالقطاع الصحي، لاسيما بعد وفاة رئيس قسم أمراض الدم في مستشفى الملك فهد في جدة أيمن حمدان سيمي.
وتوفي سيمي السبت الماضي بعد صراع مع الفيروس دام ثلاثة أسابيع انتهي بإصابته بفشل كلوي.
ووصف القائم بأعمال وزير الصحة السعودي عادل الفقيه، سيمي بأنه شهيد الواجب.
وكان الفقيه قد عين وزيرا للصحة للتعامل مع أزمة فيروس كورونا، عقب إقالة سلفه دون إبداء أسباب في ظل تفاقم معدل الوفيات نتيجة الإصابة بالفيروس بشكل كبير.
"على وشك الانهيار" تقول وزارة الصحة السعودية إنها تعمل على مدار الساعة بالتنسيق مع خبراء في العديد من الدول للقضاء على الفيروس.
ووصف خبير ألماني في الفيروسات، يشارك في هذه الجهود، المنظومة الصحية في جدة بأنها "على وشك الانهيار".
وقال كريستيان دروستن في تصريحات لمجلة "ساينس انسايدر" إن الكميات الهائلة من الفحوص التي تجري لاكتشاف الفيروس تمثل عبئا كبيرا على قدرة المختبرات، ومدى دقتها وكذلك الموارد المتاحة.
واعتبر دروستن أن عدم نظافة المستشفيات تعزز انتشار الفيروس، ودعا إلى حملة عاجلة لتحسين نظافة المستشفيات.
وفي الوقت ذاته، أعرب دروستن عن ارتياحه لرؤية أعداد متزايدة من الأشخاص يرتدون أقنعة طبية واقية، يعتقد أنها قد تساعد في كبح انتشار العدوي.
وفي غضون ذلك تراقب الدول الخليجية المجاورة للسعودية الوضع الصحي بالمملكة عن كثب.
ويروي مراسل بي بي سي أن رجل أعمال إماراتيا بارزا له استثمارات ومعاملات مالية مع السعودية، قال له إن الحكومة السعودية تبدو قد فشلت في السيطرة على الأزمة "الكارثية" للفيروس الذي انتشر بسرعة كبيرة في أنحاء البلاد.
تغير نمط الحياة وعلى بعد آلاف الكيلومترات عن جدة، تضررت أيضا العاصمة الرياض بشدة من انتشار المرض، حيث توفي أشخاص بسبب الفيروس بشكل شبه يومي خلال الأسبوع الماضي.
لم يكتشف حتى الآن علاج محدد أو لقاح مضاد لفيروس كورونا
وتقول سناء، معلمة وأم لطفلين تقيم في الرياض، إنها تفكر في منع طفلها البالغ من العمر سنتين من الذهاب للحضانة لأنها تخشى خطر إصابته بالعدوى.
وتقدر سناء أن ربع عدد التلاميذ على الأقل في فصلها، والذين تبلغ أعمارهم 6 سنوات، غائبون بالفعل عن الدراسة.
ومن النادر أن تغادر عائلة سناء المجمع السكني الذي تقيم فيه، كما تخلت عن حضور المناسبات الاجتماعية والذهاب إلى مراكز التسوق لتجنب احتمالات إصابة الأطفال بعدوى الفيروس، وذلك بعد أن توفي طفل يبلغ من العمر 9 أشهر عقب إصابته بالفيروس في الرياض الشهر الماضي.
ويقول مراسل بي بي سي نقلا عن صاحب سلسلة صالات رياضية شهيرة في الرياض وأنحاء المملكة إنه جرى إلغاء عشرات العضويات من جانب الزبائن بسبب خوفهم من الإصابة بالفيروس.
ويقول حكيم، وهو طبيب في الرياض يتعامل مع المرضى المشتبه في إصابتهم بالفيروس، إن الحكومة السعودية ربما تكون مضطرة في وقت قريب لاتخاذ خطوات أكثر حسما لحماية الأشخاص إذا ما استمرت الأمور في التدهور.
وأضاف: "نحن في لحظة حرجة لكن لا يوجد تحرك سياسي".
ويعتقد حكيم أن الحكومة السعودية عليها أن تدرس إغلاق المدارس، وحظر التجمعات، وتقييد حركة دخول ومغادرة البلاد أو تعليق أداء العمرة لفترة من الزمن.
وفي ظل عدم توفر لقاح ضد الفيروس، اضطر بعض زملاء حكيم من العاملين في الحقل الطبي لاستخدام اللقاح المضاد لفيروس H1N1 المعروف بأنفلونزا الخنازير كإجراء احترازي، وذلك بالرغم من عدم وجود دليل يشير إلى أنه يعطي مناعة ضد فيروس كورونا.
ويقول فؤاد إنه يثق بقدرات القائم بأعمال وزير الصحة عادل الفقيه، لأنه يمتلك سمعة طيبة بشأن قدرته على الإنجاز خلال عمله بمواقع حكومية متعددة، ويفترض أنه قد تم تعيينه للتعامل مع هذه الأزمة.
لكن الطبيب فؤاد لديه أمل ضعيف في حل سريع لهذه الأزمة.
ويقول: "ماذا يعرفون عن المرض؟ نحن لا نعرف كيف ينتقل، أو حتى الحيوان الحاضن له، وربما ينتقل المرض عبر الأطعمة؟"
وعلى الرغم من الغموض الذي يكتنف الفيروس، فقد أصبح وجوده في جده بمثابة طريقة حياة.
ويضيف فؤاد: "كان الكثيرون قلقين جدا خلال الأسابيع الماضية، لكن لا يبدو الأمر الآن مزعجا للغاية على نطاق كبير"
وأضاف: "إنهم فقط يتعايشون معه".
(ملحوظة: أسماء الأشخاص المستخدمة في سياق النص جرى تغييرها حماية لأصحابها، كما لم تكن وزارة الصحة السعودية متاحة للتعليق.)