في سماء المَشاتِل المُغطَّاة تَكْمُن الفراشاتُ الحزينة. 1 قد أحبُّكَ أكثر، يوماً ما.. سيكون حينَها العشب أخضرَ، دون تربة يانعة. .. سيكون حينَها الغصن دون وردٍ وحيداً بين أناملِ الريح، و الحبلُ عفواً أسقَط كلَّ الملابس تحت وهج الشمس. .. سيكون حينَها قلبُكَ نديّاً دون موادَ حافظة أو مراهمَ للترطيب. قد أحبُّك أكثر، يوماً ما.. فاترك لي هذا اليومَ، يومي، لأكرهَك قليلاً.
2 لم تكن أقراصُ الطبيب مفيدة. أطعمتْني انتظاراً و مغَصاً لا يفتُر. كلَّما ناديْتُها خبَّأ لي الوجعُ أوهاماً .. و بعضَ الخيبات. هناك تحت مفرَش المائدة كان القلمُ يحدِّثني: أنْ لا تَنسيني. كان يبكي... احتكارَ الوجع لموعِد جولات كانت لنا، قبل أن يلوح طيفُ أقراص الطبيب على سطح المائدة، مانعاً لِحَمْلِ غيرِه.
3 و أنتَ تَلُوكُ دهشتي لا تتجرَّع باقي نبضي المحتَبِس. اترك لي وحدي القارورةَ الأخيرة دافئةً بما تنضَح، و دعْني أعتَنِقها، على جرعات جرعات. عطري كان هناك البارحة.. على ذاك السرير، و مشطي.. و ياسمينٌ لم يشهَق بما يكفي من الفتنة. هذا الصباح سأشهدُ و سأَشْهَد.. و سأشهَد، بألّا دهشةَ لي بعدَ كُحْلِ الياسمين، و ثأرِ القارورة من سَجاياَ العِطْر المُعتَّق.
4 لم يكنِ الصَبَّارُ يحلُم. كان صغيراً.. كان وديعاً.. وسط كوْمَته.. داخل الأصيص. يغازِلُ الشرفة كلّ صباح و يتوسَّدُ صدرَ النافذة في المساء. لم يكن يحلم. لم يكن صغيراً على الحُلم. كان يحيا بين الشرفة و النافذة، و يغتسِلُ في الظِّل من فوضى شوكِه مرَّةً أو.. مرَّتَين في الأسبوع. كان الصبارُ صبوراً.. و عنيداً. يعانِق النافذة ليلاً، و يغازِلُ الشرفة في أطراف الصّباح. و لم يكن.. يحلمُ بالارتواء.
5 قد لا أهديكَ قصيدتي الأخيرة فلا توعِز للريح أنْ تَنْفرَ أوراقي، قبلَ أن تلْتَهِمها حقيبةُ السَّفر. لم يطرِق الفرحُ بابَ حروفِها، و لم ترقُص أمامها فراشاتُ الربيع الملوّنة. قد لا أهديك لسْعَ شهدِها فالعتباتُ كانت موعودةً للنسيان. و الحزن كانَ يغفو خلف سحاب الحقيبة.
6 أضاعَ الخريفُ مناجِلَ الصَّيفِ و لم يصُنِ القطافَ بما يكفي من أصابِع الحلمُ. و الدمعُ الشَّريدُ تاهَ عن حبّاتِه طريقُ العودة، منذ خالفتِ الخطوَةُ حواشِيَ البراعِم. لن تكونَ للربيعِ فصولٌ أخرى، فلا تنكِرِ الحريق، لن يغفِرَ الحقلُ سَوادَ البَيَادر.
7 كم تسرَّعَتِ الشُّرفَةُ حين هَتَفت لأشعّة الشمس أحبُّكِ أيتها الجميلة. كان للحُبّ مذاقُ الخذلان و المباني تغزو سماء المدينة. كُنّا في القفص ذاته أنا و العصفور. أطلَقتُ جناحيه إذ فتحتُ له بابَ القفص. و ضممْتُه إلى محْبَسي لأسجُنَه، مثلي خلف الخشب الموصَد.
8 تلك المدينةُ خبَّأتِ البياضَ عميقاً، و تركَتْ للصَّهيلِ بعضَ الغمام. لم يهتِفِ الدُّخان بِاسم الجمرات التي كانت هناك قبل الخريف. لم تنزِفِ المُزْنُ، و لم يغتسِلِ الرّحيلُ من أعبائِه. تلك المدينة، تحت السَّماء القريبةِ البعيدةِ، غزَلَتْ للسَّواقي اشتباهَ الياسمين و اكتحَلَتْ بِمِرْوَدٍ مستعار.
9 و أنتَ تقرأ أَحكِمْ إغلاقَ صوتي. و أنتَ تُحِبّ أَحكِم إخلاء سيرتي. و أنتَ تَكْفُر أحكِم إخراسَ شَكّي. و لا تحتَرِفْ .. غير وعْدِ حرْفٍ لم يحْتَرزْ للشَّوْكِ، بتوْرِياتِ المَطالِع. لم يحتَطْ للشَّوق، بكنايات النسيان. سمّى الرَّسْمَ وَرْداً، كان لكَ وحدَكَ.