مطالب الإستقلال و دعاوي الحرية في أي بلد من العالم عادة ما يصاحبها إراقة دماء و مقتل الآف البشر إن لم يكن الملايين ، و دمار واسع للبنى الأساسية و الإقتصادية و العسكرية ، هذا ما يحدث عادة ، لكن في بريطانيا العظمى شئ آخر يجري . فبمنتهى الشفافية و الديمقراطية تعترف الحكومة البريطانية بحق الشعب الأسكتلندي في تقرير مصيره و رسم مستقبله إما بالإستمرار في الشراكة الواحدة للمملكة المتحدة أو الخروج عنها . أسكتلندا المقاطعة القابعة في أقصى شمال جزيرة بريطانيا متجهة اليوم نحو الإستقلال و تأسيس كيان سياسي جديد لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة قرون ، فحتى عام1707 مكانت أسكتلندا دولة مستقلة ذات سيادة كاملة ، و لها رئيس و برلمان و حكومة ، و لكن لأسباب سياسية و إقتصادية فضلت هذه الدولة الإنضمام في إتحاد مع كل من إنجلترا و ويلز مكونين المملكة المتحدةلبريطانيا العظمى .
الإنجليز إعترفوا بالحقوق القومية و الوطنية للشعب الأسكتلندي رغم ما يعنيه الإنفصال بالنسبة لهم و ما سيرافقه من تداعيات سلبية عليهم فالبريطانيون سيخسرون جراء ذلك ثلث مساحة دولتهم ، و عشر ثرواتها ، و حوالي خمسة ملايين فرد هم تعداد سكان أسكتلندا ، إلى جانب إضمحلال الدور السياسي و العسكري الخارجي لبريطانيا في أوروبا خاصة و العالم عموما ، كما أنه سيكون للإستفتاء الأسكتلندي في حال نجاحه إنعكاساته السيئة على معظم دول أوروبا خاصة البلدان التي تعاني من مشكلات قومية و تواجه شبح التجزئة و التقسيم كأسبانيا و إيطاليا و بلجيكا .
إنفصال أسكتلندا اليوم يعني نهاية أسطورة بريطانيا العظمى و غياب شمسها التي ظلت ساطعة لقرون عدة ، و مع ذلك يقبل به الإنجليز بكل تحضر ، يتمنون إستمرار إتحادهم مع الأسكتلنديين و لكنهم في ذات الوقت لا يعارضون مطاليهم المشروعة و لا يرفضونها . يدركون جيدا أن المجد الحقيقي لبلدهم لن يكون بالتسلط و الهيمنة بل بالإعتراف بالآخر و الإقرار بحقوقه ، فالإنفصال القائم على التراضي خير ألف مرة من إتحاد مؤسس بالإكراه و الإجبار .
أيا كانت نتائج الإستفتاء سيظل الأسكتلنديون لعهود عديدة قادمة يتذكرون بإكبار و تقدير قرونا مضت من تاريخهم عاشوها في ظل إتحاد راقي محكوم بقوانين العدالة و السلام و التجانس و الحرية.