يؤسفني - في البداية - ويؤلمني شديد الألم أن أطلق على حق تقرير المصير لشعب الجنوب "انفصالا" بعد ردح من الزمن كنا ندافع فيه عن التسمية الواقعية المنصفة لهذا الطموح المشروع. ولكن ما أراه في مسرح الأحداث بالجنوب الآن أصابني بحالة من الإحباط الممزوج بالسخط على مدى تدهور الحصافة الثورية وتشوش الرؤية السياسية لقيادات الحراك في الشارع الجنوبي والذي أضحت أجواؤه مهيئة لانفصال على الطريقة الإخوانية، وذلك من خلال تلك التحركات المشبوهة للقيادات الإصلاحية(الإخوانية) في محافظات الجنوب ونزولهم إلى ميادين وساحات الحراك، وهي الخطوة التي قوبلت بتعاط إيجابي غريب من قبل قيادات الحراك . وهو ما يثير زوبعة ضبابية في أفق القضية الجنوبية العادلة في ظل هذا الاستشراء لخلايا الإخوان السرطانية في مكونات العمل الثوري الجنوبي، التي تمني نفسها بأن تجد في الجنوب موطنا يلملم شتاتها الذي تفرقت أوصاله في دول مايعرف بالربيع العربي كان آخرها ما حصل لأجنحتهم العسكرية والقبلية في صنعاء التي نتفت ريشها يد الثورة المباركة يوم ال21 من سبتمبر لهذا العام ليكتب هذا اليوم نفسه بأحرف من نور على صفحات تاريخ الأمجاد. وما يحاول الإخوان الآن القيام به في عدن من تحركات مشبوهة ترمي إلى إسقاط المؤسسات والمنشآت بأساليب تحمل بصماتهم ماهو إلا مقايضة حقيرة منهم على سقوط صنعاء بيد أنصارالله، وشتان ما بين السقوطين. ومن هنا وانطلاقا من حرصي الشديد على قضيتي الجنوبية وحلها الحل العادل أحذر أخوتي وأهلي أبناء جنوبنا الأصلاء من غفلة الانجرار الساذج خلف هذه المؤامرة القذرة باسم الاستقلال (المغشوش). وعشمي في إفشالهم لهذا المخطط الخبيث كبير جدا، فلا يمكن أن يسمح أحرارنا أبطال الجنوب أو يقبلوا بفتح الجنوب ملاذا لهؤلاء الطحالب، ولن تنطلي على ثوارنا الأفذاذ حيل أولئك التسلقيين الوصوليين . إني أربأ بأصالة حراكنا الوفي ورجاله الشرفاء الحصفاء أن ينزلقوا في هذا المنزلق الخطير، مكررا نصحي الصادق لهم ومناشدتي المخلصة بأن لاتنخدعوا بدعوات حزب الإصلاح و"حيابهم حيابهم"، فإنكم لن تلبثوا حتى تروا عدن ملجأ لعلي محسن وحميد الأحمر والزنداني.
ولا شك ولا مناص من أن الحق الكامل للجنوب في تقرير مصيره سيتحقق لامحالة في القريب العاجل، ولكن ليس بهؤلاء ولا بهذه الطريقة الاندفاعية الهوجاء التي فتحت أبواب الجنوب على مصراعيه لكل المشاريع التآمرية . إن التصالح والتسامح كوثيقة شرف تعاهد بها الجنوبيون على تناسي أخطاء الماضي لا ينبغي أن تكون كبوابة "وكالة من غير بواب" بل يجب أن تكون مراقبة بعيون المتابعة الحصيفة لما يدور على المستوى الإقليمي . كم يؤلمني ويسلمني رهينة للحسرة المقيتة أن تمسي ذكرى الاستقلال والحرية بمسمى (الجنوب يتسع للجميع) مناسبة للعمالة والارتهان للخارج الذي أصم آذانه عن أنين معاناة الجنوبيين لسنين خلت، ويمسي "انفصال" الجنوب هدفا متفقا عليه بين الدول الداعمة للإخوان في المنطقة والدول التي أعلنتهم جماعة إرهابية .