ملايين ثائرة ، و حناجر هاتفة ، و شعارات تردد ، و دماء تسيل ، و أرواح تتباهى بالتضحية، هكذا كان الربيع العربي في أوله و بداياته ، ثورة تلو ثورة ، شعوب تنتفض في بلد عربي بعد بلد ، كلهم كانوا عاشقون للحرية ، تواقون لها ، ينادون بها ، و مستعدون لدفع ثمنها بسخاء مهما غلا و لو كان من أرواحهم ، مدركين أن الكرامة لا تقدر بثمن .مات الكثير و جرح الكثيرون ، و أصبح لكل ثورة و اقعها و حالها و لكن الجميع كان يأمل في أن دماء الثوار و أنات الجرحى لن تذهب سدى و أن الحلم مهما كان بعيدا إلا أنه يوما ما سيصير حقيقة . مرت سنوات حملت أحداث عديدة و تقرق الثوار لأسباب كثيرة ، و مع سنوات الفرقة كانت بقايا الأنظمة السابقة تتجمع و تلم شتاتها ، حكام العهد الجديد أخطائهم كثيرة وحكام الأمس خبراتهم كبيرة ، وقع الثوار في الفخ ، و رفع رموز الأنظمة المخلوعة على الأعناق صاروا هم المنقذون و تغير كل شيء ، الفلول الذين كانوا في بداية الربيع يرتعدون خوفا وحياء من جرائمهم أصبحوا اليوم أبطال و صارت لهم ثورة و صنع لهم ربيع جديد ، الدبابة التي خرج الناس ضدها عادت لتحملهم الى القصور وسط هتافات الشعوب الثائرة بالأمس . اليوم يتصدر عبدالفتاح السيسي و الباجة قائد السبسي المشهد تساندهم أنظمة الأمس المخلوعة معلنين أن العرب لن ينعموا بالربيع و صفاءه فشمس الديكتاتورية تحرق بقسوة وجوه الثوار ، و أن العرب لن يهنئوا بالربيع و لا شم روائح أزهاره فالظالمون يمتلكون غازات مسيلة للدموع تزكم أنوف الأحرار ، و أن العرب لن يفرحوا بالربيع و لا برؤية ألوانه الزاهية مادامت الدماء و الجراح تلون كل دعاوي الحرية و تكتم كل صرخة كرامة . معلنين أن الربيع العربي لابد أن تذبل قطوفه و تموت رياحينه فهو لا يمتلك جيشا و لا قضاء و لا إعلاما و لا مالا . لقد أرادت الشعوب العربية بثوراتها المشهودة أن تصنع ربيعا حقيقيا مزين باللون الأحمر و مسقى بالدم الأحمر ، و لكن إرادة الظلم كانت أقوى و أعتى فداست بأقدامها القذرة على الورد الأحمر وسفكت بأيديها المجرمة الدم الأحمر .