استبشرت الشعوب العربية في دول ثورات عام 2011 الخير الكبير بما حملته لهم من وعود كبيرة لتحقيق أحلامهم المشروعة في إقامة أنظمة عادلة ترسي مبادئ الحكم الرشيد وتكفل الحياة الكريمة لأبنائها . لكن لم تلبث شعوب تلك الدول حتى بدأت تتهاوى أحلامها وتتبدد مع أولى نتائج هذه الثورات بفعل تصدر عملها الثوري سياسيا من قبل القوى السياسية المتآكلة التي كانت منضوية تحت كنف الأنظمة المستبدة باسم (المعارضة).
ففي اليمن تربعت أحزاب ما يعرف باللقاء المشترك على طموحات الشباب اليمني -الذين تقاطروا من كل أطراف اليمن إلى ساحات النضال- وقدمت هذه الأحزاب نفسها كممثل شرعي لتبني أهداف الثورة، وكان أن تحقق لها ذلك من خلال سيطرة مجاميع من قواعدها على صورة المشهد الثوري إلى جانب كم الإمكانات التي سخرها لهم مشايخ القبائل المتحكمة بقرار تلك الأحزاب . حتى جاء يوم النور المبين الواحد والعشرون من سبتمبر ليكون البوابة الأولى لانعتاق ثورة الشباب من براثن هيمنة القوى المأزومة. وعلى الرغم من النصر العظيم الذي حققته لجان الحرية والإباء في ذلك اليوم الخالد إلا أنها لم ترتض بأن تقدم نفسها كممثل رسمي وحيد لشباب الثورة من أبناء اليمن كافة، بل أخلصت النية في مد يد الشراكة لكل القوى والمكونات السياسية والثورية ومن بينها وعلى رأسها قادة أحزاب اللقاء المشترك . لكن -وللأسف المرير- في كل مرة كانت تقدم اللجان الثورية حسن النوايا وتؤثر مصلحة الشعب -بإصرارها على الشراكة كحل لا بديل عنه- كان أولئك المهترئون يتفنون في ابتكار أساليب الالتفاف والاحتيال ونصب المكائد سياسيا وميدانيا رغم هشاشة قدراتهم على المستويين، وظلوا يراهنون على مدى جدارتهم بتعاون الخارج معهم باعتبارهم أيقونات العملية السياسية في اليمن !!! وفي المقابل كان رهان اللجان الشعبية الثورية وقيادتها المسددة على الشعب نفسه وعلى قوته في فرض رأيه واستقلال قراره بعد عقود من التبعية والارتهان . فكان لهم أن توجوا إنجاز وعودهم الصادقة بالإعلان الدستوري الحر الذي لم يكن له أن يبصر النور لولا تعنت تلك الأحزاب الصدئة ومحاولتها لإبقاء الوضع في دوامة الأزمة مصرة على أن تضيع بأيديها الفرصة الأخيرة للتعايش الأخوي .
إن اليمن كبلد ذي حضارة تاريخية أصيلة عريقة ليس عاجزا عن تخريج الأكفاء من قادة ومفكرين وسياسيين وكتاب ممن تفوق قدراتهم قدرات أولئك الخرفين.. فلن يبقى قرار هذا الوطن من بعد اليوم حكرا على شرذمة ابتلي بعاهاتها شعبه على مدى أكثر من أربعين عاما . وقد آن الأوان لكل شهداء النضال الثوري -الممتد منذ أربع سنوات- أن يناموا بسلام وتهنئ أرواحهم بالرضا بعد أن اكتملت الثورة ...