لا تزال السهام مشرعة في وجه الاستقرار والسلم في محافظة حضرموت، فلا يكاد يمضي يوم إلا ونسمع بين ساعاته أحداثاً شتى من النهب والسطو والسرقة والاغتيال، لا ندري من يدير خيوطها المتشابكة ومن يحركها في الخفاء نكاية بهذه المحافظة الآمنة المعطاءة. وفي خضم تلكم الأحداث المأساوية التي تطرقنا بسوئها صباح مساء، وفي خضم أزمات الحياة المادية لانعدم من يستميت في دفع ضرها والتقليل من شررها القادح وسط سيل من الصمت والقبور ينطبق عليهم قول القائل : ليس من مات فاستراح بميتة *** إنما الميت ميت الأحياء وهنا أجدني أعلن بنبرة ملؤها الفخر والامتنان لما فعله الشاب باسل اليزيدي، العامل البسيط الذي لم تطوقه سلاسل السلبية أو تعيقه أغلال الاستكانة عن الدفاع عن المال العام بتصديه لمجموعة من المسلحين أرادوا نهب سيارة النظافة بالمكلا رغم ضربه في الرأس بأعقاب أسلحتهم. يحزّ في نفسي كثيراً أننا كمجتمع وكسلطة محلية أننا إلى الوقت الحاضر لم نكرّم البطل القدير، الذي ضحى بعافيته ليواجه ظلماً مستطيراً، بل ربما اكتفينا بإكبار العمل الذي قام به وأشدنا به بعض الوقت ثم تناسيناه، بينما الحق أن يُكرم فاعلي هذه البطولات لأن في ذلك تشجيع للجميع على حذو مثله للتصدي للأفعال الإجرامية، ولعل من له أدنى بصيرة يدرك أننا بذلك نحارب السلبية والتقوقع على الذات التي تفشّت في مجتمعاتنا. ما ينبغي أن يشغلنا حقاً هو كيف نقضي على الممارسات السيئة التي بتنا نعاني منها كل حين، وفي نفس الوقت نحن مطالبون بأن نعمل على إشاعة روح التفاؤل والإيجابية بين فئات المجتمع، أما التركيز على السلبيات فحسب باتهام شخصيات محددة كالمحافظ الحالي بالعجز عن إيقافها، فالأمر فوق ذلك، ويجب علينا أن نتحلى بالشجاعة الكافية للاعتراف بأننا جميعاً مشتركون في المسئولية، وعلينا كافة تقع التبعات في إصلاح مجتمعنا، أما أن نلقي التهم جزافاً بدافع التشفي أو بدوافع عاطفية وغيرها فالأمر أبعد ما يكون عن الإنصاف، والله تعالى يقول : " وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"، ويقول: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون".