ما يحدث في حضرموت خاصة والوطن عامة من انفلات أمني وأخلاقي وسرقات واغتيالات بغير حق ، سببه ضعف الوازع الإيماني وغياب مخافة الله ، والخوف من الله من دواعي الإيمان وهو أساس الأمن والأمان ، قال تعالى : " الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ". وقد تحدثت عن ذلك المعنى بالتفصيل في مقالة لي سابقا بعنوان الإيمان أساس الأمان ومما قلت فيها عبارة " إن الإيمان ليس أساس الأمن والأمان فقط ؛ وإنما أساس كل خير ، وأساس البعد عن كل شر وضير . وقد عرف ذلك المفهوم سلفنا الصالح رضوان الله عليهم ، فهذه قصة المبارك وصاحب البستان ذلك الرجل الغني نوح بن مريم الذي معه بستان وبنت جميلة والعبد المملوك المبارك ، وفي يوم من الأيام طلب صاحب البستان من المبارك إحضار رمانة ، فأحضر له رمانة ، فلما تذوقها وجد طعمها حامض ، فطلب من المبارك رمانة حلوة ، فأحضر له رمانة اخرى ، فلما تذوقها وجدها حامضة أيضاً ، فصاح فيه وقال له ألا تعرف الرمان الحلو من الحامض !؟ فقال المبارك : يا سيدي لقد طلبت مني أن أحفظ البستان وأقوم برعايته ولم أذق طعم شي من البستان ، فتعجب صاحب البستان من أمانة المبارك وخوفه من الله ، فطلب منه الزواج من ابنته فوافقت البنت ، وعاش المبارك مع زوجته وأنجبا عبدالله بن المبارك ذلكم الإمام العالم العابد المجاهد ، وهذا نتيجة الخوف من الله ، أصبحت ممتلكات هذا الرجل في أمان والمجتمع في أمان .
إن نتيجة وعاقبة الظلم بكل صوره وأشكاله وخيمة على الفرد والمجتمع وقد تتأخر هذه العقوبة أو تتقدم ، والله يرسل رسائل للعاصي لعله يرجع ويستيقظ من غفلته . قامت مجموعات في عدن بالسرقة والنهب للممتلكات العامة والخاصة وسرقة أسلحة في معسكر حبل حديد رغم تحذير اللجان الشعبية الجنوبية في قناة صوت الجنوب ، ولكنهم لم يستمعوا للنصيحة ، فكانت النتيجة انفجار المعسكر بمن فيه مخلفا قتلى وجرحى وضحايا أبرياء نسأل الله يرحمهم . وفي حضرموت قامت مجموعة بسرقة البترول من قاطرة فقدت السيطرة على الحركة في الطريق رغم تحذير صاحب الناقلة كما حكي لي ، فلم يستمع لنصيحته ، فكانت النتيجة انفجار القاطرة مخلفة عشرين قتيلا وعشرات الجرحى والضحية أبرياء نسأل الله يرحم الموتى ويشفي الجرحى والمصابين آمين ، وهذه رسائل لعل الذي يفكر في المعصية يرجع الى الله ويتوب ، ويخاف من عقوبة الله ، فإن السرقة حرام من الحاكم أو المحكوم ، وحفظ أمن البلد مهمة المواطن في ظل غياب الدولة .
وقصة ذاك الرجل في قرية ظالمة أرسل الله إليهم نملة تلدغ الواحد تلو الآخر ، وهذا الرجل أمهله الله وهرب ظنا من أنه نجى من العقوبة فأخذ يسرق وينهب من أموالهم وحليهم ووضعها في إناء تحت صخرة ، وسافر الى مكة وبعد عشرين سنة تذكر المال الذي أخفاه تحت الصخرة ، فأرسل له رجل آخر وأحضره له ، ولما فتحه خرجت نملة فلدغته فمات " وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ " .
إذن مخافة الرحمن هي أمن وأمان للفرد والمجتمع والعالم ، فلو أن الحاكم خاف ربه هل سيظلم شعبه ؟ ولو أن المسؤول خاف ربه هل سيقصر في واجبه ؟ ولو أن المواطن خاف ربه هل سيعتدي على ممتلكات أخيه المواطن ؟ وهكذا .. بل سيعيش المجتمع في طمأنينة و أمان وسلام وتعاون ، ومخافة الله ستجعل المجتمع في تماسك وتعاون وتعاضد مع بعضهم بعضا يقفون مع المظلوم وينصرون المحتاج ويدافعون عن الحق والوطن .