أسمحوا لي في البداية أن أخاطبكم بلغة لم أحبذها يوما رغم واقعيتها ورغم قربها لكل شيء في واقعنا اليمني بشقيه الجنوبي والشمالي, دعوني أتكلم بتلك الطريقة التي حاولتم مرارا وتكرارا أن تنبذوها لخوفكم منها, ولتحاشيكم لها رغم أنكم كنتم تحملونها بين ثناياكم وتتحينون الفرصة السانحة التي ستخاطبونا بها ليس إعتزازا بذواتكم ولكن من قبيل إحتقاركم لنا نحن كشعب تخلى يوما عن هويته ووطنه من أجل أن تنعموا بالخيرات والثروات..
اليوم أقول كلمات من مواطن (جنوبي) إلى كل شمالي في جغرافيا الأرض اليمنية التي حاولت أن أكون يوما نسيجا منها وجزء لا يتجزاء منها, بحلاوتها ومراراتها بأحزانها وافراحها,نعيش ونتعايش ونستشعر عمق مآسيكم وأوجاعكم وآلامكم, رغم أحقية (قضيتنا) وعدالتها, ورغم أننا أصحاب حق وجغرافيا وموطن تركناه يوما لأجل الآخر, فما من مصيبة تحل بكم, أو مشكلة تصيبكم, في أفراحكم وأتراحكم, أجد قلمي سيالا رقراقا يخط عن كل شاردة أو واردة تحدث في كل بقعة من بقاع الوطن اليمني,وأواكب كل جديد يطرأ على الساحة منطلقا من واجبي المهني والأنساني الذي (ترعرعنا) عليه وتعلمناه من صاحبة الجلالة وفي حضرة الضمير والإنسانية (الجنوبية) النقية التي لم تتلوث بعد (بخساسة) وسوقية الآخر,فتنكرت لذاتها وإنسانيتها قبل أن تتنكر لغيرها, ولن أقول أنني نادمٌ على ذلك فقد نذرت قلمي وكتاباتي لله أولا ثم لمن يحتاجونها في مشارق الوطن ومغاربه..
ولكن حزّ في نفسي وآلمني كثيرا أن أولئك الذين بكينا يوما لألمهم وحزننا لحزنهم وضحكنا لفرحتهم وسعادتهم, هم من يقتلوننا اليوم, وهم من يجيشون الجيوش ليسحقونا وبدمٍ بارد وأعصاب (كالثلج), وكأننا عدوهم (اللدود) وخصمهم الأزلي, فيستميتون في قتالنا, ويسوقون أطفالهم إلى أرضنا كالأغنام,ويغرسون بداخلهم حقد وبغض وكره لنا ولوطننا (الجنوب) لن يسعه الكون الفسيح ولن تحتويه فضاءاته..
بطريقة فجة وعدائية وإنتقامية يتوافدون إلينا من كل حدب وصوب ومن أوكار الهمجية واللإنسانية كي ينتقموا من كل ما له صله أو علاقة (بالجنوب) أرضا وإنسانا, لا لشيء إلا لانهم يبحثون عن (نقصهم) وقصورهم وفشلهم في هذا الشعب المسالم الذي لم ينتهج قط او يستخدم لغة السلاح أو يتخذها وسيلة لممارسة حياته أو تسييرها, بعكس هؤلاء الذي جعلوا من السلاح ولغة الدم وهمجية القبيلة منهاجا وشرعة يحتكمون إليها في شتى مناحي حياتهم..
تناسى هؤلاء أننا شاطرناهم كل شيء, وآمنا بقضيتهم ومظالمهم, وشعرنا بهمومهم وأوجاعهم وأحزانهم ولم نرض أو نقبل أن نكون يوما (متفرجين) دون أن نحرك ساكن مثلما فعل البعض منهم إن لم يكونوا كلهم ولم ينبسوا (ببنت) شفة أو يقولوا كلمة حق في هذه المجازر التي يرتكبها أبنائهم وأهليهم وذويهم في حقنا أو يتبرؤا منها أو يستنكرونها ولو من قبيل (الجيرة) أو عرفانا بصنيع وجميل وإحسان(جنوبنا) إليهم في الوقت الذي لم يكونوا فيه شيء لولا الله ثم كرم وسخاء وإنسانية أهل الجنوب..
انا هناء لا أتباكى كما قد يظن البعض, أو أستدر عطفهم أو أستجدي شفقتهم, لا والذي رفع السماء فنحن لنا ربٌ سينصرنا ثم أبطال أشاوس لا يهابون الموت أو يخشونه, وإنما أحببت فقط أن أذكّرهم بأن هناك فرق شاسع بين (الثرى) و (الثرياء), وشتان بين (لين) قلوبنا ورقة (أفئدتنا), وبين (همجيتهم) وقسوتهم وعبثيتهم ووحشيتهم, وإننا لسنا ممن (ينكر) المعروف أو ينسى أو يتناسى الجميل, مهما توالت الأيام, أو تعاقبت السنون, ومهما أشتدت بنا المحن والمصائب..
وددت أن أخبرهم أن ما نمر به هو (سحابة) صيف عابرة ستمطر وتترك (أرضنا) خضراء نضرة وأن هذا الليل الحالك السواد سيشق (دياجيره) المظلمة فجر (الحرية) والنصر والإنعتاق والإنسلاخ من كل ما له صلة بهم, أكان (جغرافيا) أو فكريا أو عاطفيا, لاني أظن بل أجزم أن تلك الدماء التي سفكوها دون ذنب, وتلك الأجساد البريئة التي مزقوها دون حق, وتلك الحياة التي دمروها لن يقبل أصحابها بغير (الثأر) لها والانتقام من فاعليها مهما أكلت الأيام من أعمارهم, ولن يقبلوا بمهادنة أناسٌ منحوهم (الورود) وقابل وهم (بالرصاص) ..