في الوقت الذي أشتدت فيه الحرب الضروس في جنوبنا الحبيب, وأحرقت الأخضر واليابس, وأهلكت الحرث والنسل, وأبادت الخلق,خفتت أصوات أصمّت بالأمس القريب آذاننا (بوطنيتها) وإنتمائها وهوائها (الجنوبي) , فكانت (تنعق) بما لا تفقه أوتعي, وكانت تتصدر الشاشات والساحات والمنصات, فظنّت نفسي الأمارة بالسوء أن هؤلاء هم (حملة) مشاعل الحرية والإنعتاق والإستقلال, وهم عماد وأساس دولة اليمن الجنوبي وهم بناتها ومداميك بنيانها.. كنت أتوسم فيهم خيرا للوطن وأظن بل أجزم أن عشق وحب (الجنوب) يجري في دماؤهم ويصعد مع أنفاسهم, ويسكن (سويدائهم), ولم أكن أعي وأدرك أنهم (ينصهرون) ويتلاشون عند أشتداد (الوغى) ويذوبون في أولى المعارك وأنه لاخير فيهم يرجى على الإطلاق, وماذلك (النعيق) والنهيق إلا لأغراض في أنفسهم ومآرب شخصية وذاتية دنيئة لأرباب نعمتهم وأسياد ريالاتهم, وليس للوطنية وللهوى الجنوبي شيء يذكر..
حديثي هناء عن (صنف) معين وأشخاص بعينهم, بل ويعرفون أنفسهم, ممن صدقنا منهم معسول الكلام وعذب البيان, أما الوطنيون (الحق) فلا كلماتي ولا أحرفي ستفي بحقهم أو تنصفهم, فساحات النزال (عصرتهم) وخبرتهم وميادين الإباء (محصتهم), والكل يدرك أنهم يتسابقون بأرواحهم في وجه الأعادي ولا يبالوا بها أو يكترثوا, لان همهم الأول والأخير الدفاع عن (دينهم) وعرضهم وأرضهم..
ولان أشباه الرجال ولت الأدبار, ودست رؤوسها في التراب (كالنعام), ولم تنطق ببنت (شفة) ولم تحرك ساكن,فتلاشت وذابت وتبخرت, تجلت (ذكرى العراسي) في زمن الخنوع والخضوع والإنكسار لتعيد شيء من ماء الوجه (المسكوب), وشيء من الكرامة المهدورة, فصرخت بملء (فيها) وثارت حفيظتها, وجن جنون (أمومتها), ولم تقبل بأن يتاجر أو يزايد أحد أو يعبث بدماء الأبرياء من الجنوبيين, ويجعلهم (مطية) ليصل إلى غاياته وأهدافه ومآربه, فسبقت (حذائها) الشريف كل الكلمات وأخرست لسان (الحوثي) ووضعت حدا لعنجهيته, وفضحت زيف وبطلان أدعاءاته, ليغدوا بلا كرامه, وبلا شرف أو قيمة, وعلمته بنت الجنوب من هم أبناء الجنوب وكانت له بالمرصاد..
منها أتمنى أن يتعلم أولئك المتدثرون بجلباب الدين وعباءة الوطنية معنى أن تجري في أوردتك دماء (جنوبية) خالصة نقية نظيفة, وليس (خليط) من المصالح والأهواء والتبعية والوطنية, أتمنى أن يتعلموا منها أن نعيقهم وصراخهم (وتبجحهم) في الساحات والميادين أنصهر كليا أمام أولى معارك الشرف والبطولة والإباء, فما كان من (ذكرى العراسي) إلا أن تنتشلهم من مستنقع تبعيتهم وتقول لهم إن كنتم أندثرتم فبنت (الجنوب) قادرة على أن تحفظ لجنوبها كرامته وعزته أمام أعتى القوى الغازية..