في غمرة الإنتصارات المظفرة والمتوالية التي يسطرها أبطال المقاومة الجنوبية على تلك الرقعة العزيزة من جنوبنا الحبيب، ترتسم في الأذهان جملة من الآمال والتطلعات.. تلقي بظلالها على المستقبل الذي يمكننا استشرافه في ضوء المتغيرات الجديدة على الأرض، والتي على إثرها، باتت صورة المرحلة القادمة تتجلى بشكل أكثر وضوحاً، وان كانت بشيء من التفاؤل المفرط والمبرر في الوقت نفسه الا انها لا تخلو من بواعث قلق وملامح توجس، ولو من باب الحرص والحفاظ على ما تحقق حتى الآن. فما قدمناه نحن كجنوبيين من النضال الدؤوب، المستمر والمتواصل على مدى السنوات العشر الماضية، سلماً في بادئ الأمر، ثم حرباً ضروساً فرضت علينا، فكنا لها أهلاً ونداً. جابهنا علوجها البربرية بكل بسالة، وخضنا غمارها بشجاعة وإباء منقطعي النظير، مسطرين بذلك أروع وأمجد الملاحم البطولية، مشفوعة بتلك التضحيات الجسام، من مهج،ٍ وأرواح، ودماء، كلفتنا الكثير الكثير من خيرة رجالنا وشبابنا الذين لولا فيض سخائهم، وفدائيتهم الفذة، ولولا حماسهم المتقد، المستمد من عمق الإنتماء، ويقين الإيمان بالحق المفروض والواجب المقدس في الذود عن الوطن، والدفاع عن مقدراته، لما كانت ثورتنا قد وصلت الى ما وصلت اليه اليوم. غير مغفلين او ناكرين في هذا المقام طبعاً دعم ومآزرة ونصرة أشقائنا في دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ان ما تحتمه علينا هذه المرحلة التاريخية، الحساسة والحرجة من تاريخنا النضالي المشرف، الحافل بالتضحيات، والزاخر بالبطولات، سلماً وحرباً، يعد نصراً مرحليا آخر، وهو اي هذا النصر يتأتى من ضرورة الحفاظ على ما اجترحناه من انتصارات، وما تحقق من مكاسب وانجازات، تعد قياسية بالنسبة لتاريخ كفاحنا المسلح الحديث العهد "وليد معركتنا الأخيرة". وكما تقول القاعدة التربوية الشهيرة: (ليس الصعب تحقيق النجاح، لكن الصعب هو المحافظة على النجاح)، ولأن النجاح نصر، والنصر نجاح، فإن مسألة الحفاظ على ما أنجز من نصر تتطلب جهداً مجتمعيا،ً وثورة شعبية من نوع آخر، ثورة أخلاقية وتربوية وفكرية في المقام الأول، يسعى من خلالها الفرد والمجتمع بكل فئاته العمرية وشرائحه المتعددة والمختلفة الى غرس قيم الثورة وفكرها ومبادئها، وإشاعة ثقافة الإنتماء والتضحية والفداء، وترسيخ قيم التعاون والبذل والعطاء في سبيل الإرتقاء بهذا الوطن وبإنسانه الطيب الصبور المكافح والمعطاء. والعمل على اشاعة ثقافة التعددية البناءة، ومبادئ السلم والتعايش المشترك، والقبول بالآخر. على نحو يسهم في بناء مجتمع متوائم ومتآلف، قادر على النهوض والتنمية والبناء، مؤمن بأصالة الأنتماء واشتراكية الأهداف وواحدية المصير. ما يعني العمل على تعزيز أواصر الود والإخاء، ونبذ دواعي التفرقة من نعرات جهوية او دعوات مناطقية او حزبية مسمومة، وغيرها من المظاهر السلبية والهدامة التي دأب الإحتلال، على مدى نصف قرن خلا، على زرعها بيننا، لبث التفرقة وزرع الفتنة، ونصب العداء بين ابناء المجتمع الواحد، والتي للأسف الشديد نجح من خلالها الى حد بعيد. تطلعات واسعة، وآمال عريضة ننشدها للتأسيس لجنوب آمن مستقر ومزدهر كما حلمنا به يوماً.. وها قد بات قاب نصرين أو أدنى من التمخض واقعاً ملموساً وحاضراً معاشا،ً تخفق رايته في كل الجهات وتدوي انتصاراته في شتى الآفاق. لكن يبقى التوجس الوحيد مما يتربصه بنا العدو والصديق على حد سواء.. وأعني بالصديق هنا دول الجوار، او الإقليم الذين تربطهم بنا مصالح استراتيجية امنية واقتصادية بالغة الحساسية، لا تقبل التفريط، كما لا تحتمل التسويف بأي حال من الأحوال. والقلق من الخذلان العربي والدولي الذي يبدو وكأننا على عقد أزلي معه وذكرى غير سعيدة. خاصة في ظل نظرتهم الضبابية، بل القاتمة، لقضيتنا العادلة والمنتصرة بإذن الله! النصر لقضية شعبنا.. والرحمة والخلود لشهدائنا.. والشفاء للجرحى، والحرية للأسرى والمعتقلين.