تتصاعد وعلى نحو مخيف حالة الاحتقان والتوتر التي تشهدها مدينة المكلا حاضرة حضرموت مع تمادي مسلحي "أنصار الشريعة" في اعتداءاتهم السافرة على عدد من المزارات والأضرحة والقباب التاريخية في المدينة،فضلا عن التفاقم المروع للأزمات الحاصلة في معظم الخدمات الأساسية وتعطيل أداء المكاتب والمؤسسات الحكومية في كافة مديريات ساحل حضرموت التي يفرض مسلحو تنظيم القاعدة "أنصار الشريعة" سيطرتهم عليها للشهر السادس على التوالي . خلال اليومين الماضيين صعقت مدينة المكلا أمام مشاهد اقتحام مسلحي "أنصار الشريعة" ل "مقبرة يعقوب" المعروفة في وسط الأحياء القديمة للمدينة،واقدامهم على تحطيم أضرحة عدد من العلماء والسلاطين والصالحين الذين عرفتهم حضرموت على مدار عقود متوالية من تاريخها رموزا في علوم الاسلام الحنيف وشريعته السمحاء وفي الافتاء الشرعي والقضاء والسياسة،ولم تكتف تلك المجاميع المسلحة بذلك بل انتقلت إلى مسجد عمر الشهير حيث حطمت ضريح ومزار الصالحة "علوية بنت علي"،قبل أن تحاول نسف "قبة" مسجد بازرعة بالمتفجرات،مدعية أنها تقوم باعتداءاتها الصارخة هذه امتثالا لما تسميه واجب "محاربة الشركيات" .. على وقع تلك العمليات الهوجاء التي لم تشهد لها حضرموت مثيلا طوال تاريخها والتي استهدفت معالم تاريخية تزدهي بها المكلا وقد تجاوز ألق بعضها مئات السنين،استبدت بمدن حضرموت كلها حالة من الغضب والرفض الشعبي أوشكت خلال الساعات الماضية على بلوغ ذروة التفجر في وجه تلك الجماعة المتطرفة المسلحة،لولا مسارعة عدد من العلماء الربانيين والوجهاء لثني شباب المكلا عن الاندفاع إلى ردات فعل من شأنها الزج بحضرموت في مهالك فتنة لن تبقي ولن تذر،ودعوة أبناء المكلا وعموم حضرموت إلى التحلي بأعلى قدر من ضبط النفس وتحكيم العقل وتفويت الفرصة على من يريدون جر حضرموت إلى محارق الاحتراب .
إذا كان تدخل علماء مدرسة حضرموت العلمية الأصيلة "الصوفية" قد تعاطوا بما هو معهود منهم من تسامي وحكمة مع هذه الهجمة العدوانية لمتطرفي "القاعدة" على رموز ومعالم هذه المدرسة التاريخية في المكلا،لتجنيب المدينةوحضرموت كلها فتنة يصعب تطويقها،فإن ما لا شك فيه هو أن خطر الانزلاق بهذه المحافظة المترامية الأطراف والزاخرة بالثروات في هاوية الاحتراب،يظل خطرا ماثلا تتعاظم نذره ما دام مسلحو "أنصار الشريعة" فارضين سيطرتهم على مديريات الساحل الحضرمي،حيث تشير المعلومات المؤكدة إلى أن قيادة هذه الجماعة المتطرفة المسلحة لم تتجاوب حتى اليوم مع مساع تقوم بها لجنة من علماء "السلفية" وممثلين لعدد من القوى الحراكية والسياسية بحضرموت،تستهدف اقناعها بالانسحاب الآمن من المكلا ومديريات ساحل حضرموت لتجنيب المحافظة ويلات حرب متوقعة يتضاعف خطرها مع استمرار سيطرة تلك الجماعة على تلك المديريات،وبموازاة ذلك تشير المعلومات المستقاة من مصادر في ما يسمى ب"المجلس الأهلي الحضرمي" الذي أنشأته جماعة "أنصار الشريعة" غداة سيطرتها على مدينة المكلا،وأوكلت اليه مهام إدارة شئون الساحل الحضرمي،أن قيادة الجماعة تنصلت عن كثير من الوعود التي قطعتها للمجلس ومن ذلك وعدها بتسليمه كل أمور ادارة المكلا والانسحاب من مدن الساحل بمجرد اندحار خطر المليشيات الحوثعفاشية عن محافظات الجنوب،ووفقا لتلك المصادر فإن المجلس الأهلي وجد نفسه في مأزق رهيب يشتد يوما عقب يوم،مع تصاعد التجاوزات التي يقوم بها مسلحو "أنصار الشريعة" ومن ذلك ارهاب المواطنين وشن حملات الاعتقالات والتدخل في الشئون الحياتية للناس فضلا عن نهب مقدرات حضرموت وتأجيج التوترات والأزمات،علاوة على التهرب من تحديد موعد أو جدول زمني لانسحابهم من المدن والمناطق التي يحكمون سطوتهم عليها .
من جانبه قالت مصادرسياسية بحضرموت "أن مهلة زمنية قد أعطيت لمسلحي "أنصار الشريعة" للانسحاب من مدن الساحل الحضرمي تنتهي بنهاية شهر ذي الجحة،مشيرا إلى أن كل القوى الحراكية والسياسية والمدنية وكل الأطياف الاجتماعية والفكرية بحضرموت وفي مقدمتهم قوى الثورة التحررية الجنوبية التي ظلت تلتزم بكثير من ضبط النفس خلال الشهور الماضية تجاه احتلال تلك الجماعة المسلحة لمدينة المكلا ومديريات ساحل حضرموت،تفاديا لصدام كانت المليشيات اليمنية الغازية للجنوب ستستفيد منه،أن هذه القوى مجتمعة لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما أصرت تلك الجماعة على تكريس سطوتها واذا ما واصلت رفضها للانسحاب من كل المدن والمديريات بحلول الأول من شهر محرم القادم"، وأضاف "حينئذ سيجد "أنصار الشريعة" حضرموت كلها في مواجهتهم ولا نعتقد أنه سيكون من مصلحتهم الذهاب إلى صدام مع أهل حضرموت،وليس من مصالح حضرموت وأهلها ذلك،لكن المؤكد هو أن اصرار تلك الجماعة على ترسيخ سطوتها وبقائها في ساحل حضرموت سيبرر لتدخلات عسكرية يمنية واقليمية ودولية لاخراج هؤلاء المسلحين بالقوة،ما يعني اضرام سعير حرب مدمرة لن تورث حضرموت غير الدمار والخراب والتقتيل والتهجير،وذاك أمر لن يسمح بحدوثه أبناء حضرموت،ولا يزال هناك كثير من الأمل في أن تتجاوب جماعة "أنصار الشريعة" مع نصائح العلماء والحكماء وتسارع في الانسحاب من المكلا ومديريات الساحل كافة ليتجنب الجميع مهالك الصدام والاقتتال" .