قبيل أيام من شهر رمضان المنصرم ، وفي إحدى جبهات المقاومة شمالي غرب عدن : شاءت الأقدار أن أكون معه في حفرة واحدة من تلك الحفر بين الرمل الناعم وشجيرات السيسبان المتناثر بين أسوار المزرعة المترامية وأحراجها الكثيفة ، والتي كانت مسرحا لفصل من فصول دراما الحرب والمواجهات العنيفة مع كتائب الموت والضلال القادمة من أقصى الشمال، لأروي لكم هذه القصة: قصة (فهيم) الفتى المقاوم الذي رابط في ذاك المكان الموحش إلى آخر أيامه وأيام الجبهة التي غادرها وغادر معها دنيانا الفانية إلى دار الأبدية في جنة الخلد شهيدا بإذن الله في ليلة مباركة هي ليلة 27 رمضان 1436ه. كانت الأيام التي ذهبت فيها مع شباب المقاومة الأبطال إلى هذه الجبهة قليلة ، وكان هذا اليوم الذي عزمت فيه على توثيق بعض المشاهد يوما صعبا على المقاومين وقد تمكنت من تصوير وتسجيل مقطع فيديو لهذا الشاب البطل الذي لم أعلم بنبأ استشهاده إلا عشية يوم الجمعة 13/11/2015.. فاجأني وأبكاني نبأ استشهاد (فهيم) ، ورحت أسأل عن أحد أقرباءه ليسرد لي قصته ،وكيف كانت وفاته ، فإذا بي أقف أمام قصة طويلة من الأحزان التي لاتقف عند استشهاد فهيم وحسب ؛ بل تعدى ذلك إلى مصائب أخرى لهذه الأسرة المكلومة والمثقلة بالأحزان عليه وعلى أخيه (عادل) الذي توفي قبل أربع سنوات رحمه الله، وثالث الأخوة الذي انخرط أيضا مع المقاومة لتنقطع أخباره هو الآخر تماما عن الأسرة منذ أشهر ، ولايعرف أحد أين هو وماهو مصيره وهل هو أسير أو طليق أو ميت أو حي ، ليتضاعف بذلك حزن الأم المفجوعة بأولادها الثلاثة ولاحول ولاقوة الا بالله.. كان الشهيد (فهيم) رحمه الله نقي السريرة طيب القلب لايحمل الحقد على أحد محبوبا لدى أسرته وأصدقائه وكل من يعرفه ، ضحى بدراسته ليتحمل المسؤولية منذ وقت مبكر من حياته ؛ حيث ترك المدرسة في مرحلة الإعدادية ليصبح جنديا في الجيش، وتضاعف حجم مسؤوليته مع وفاة شقيقه الأكبر (عادل) الذي قبر في القرية بقرب منزلهم ولم ينقطع بكاء الأم حزنا عليه كلما وقعت عينها على قبره ، ماحدا بالشاب فهيم البار بأمه أن يجتهد ويبيع كل مالديه ليبني بيتا صغيرا في لحج للتخفيف من حزن الوالدة على ولدها.. ولم تنتهي القصة عند هذا الحد مع محاولة استئناف فهيم وأسرته لحياتهم الجديدة ؛ إذ جاء حدث آخر وطامة كبرى اسمها الحوثي وصالح اللعين لتكمل ماتبقى من مأساة هذه الأسرة المنكوبة التي تجسد نموذجا لرزايا آلاف الأسر المفجوعة بأبنائها! كان فهيم المحب للتضحية والشهادة منذ نعومة أظافره _وكما يصفه أقرباءه_ أول الملبين لنداء الواجب في مختلف جبهات المقاومة ، لايقف إلا في خطوط المواجهة المباشرة مع العدو ،أصيب إصابة بالغة أثناء الاشتباكات ،وحمل على الأكتاف ودمه الغزير يخضب تراب الأرض التي بذل مهجته في سبيل تطهيرها من كتائب الموت الحوفاشي ، كان يدعو لأصدقائه الذين حملوه وروحه تتسرب من بدنه مع قطرات دمه الطاهر والمنسكب بغزاره قائلا : (الله ينصركم الله يحفظكم) وهي آخر ماروي عنه ، ليرتقي إلى ربه شهيدا في مقتبل عمره وريعان شبابه. رحم الله الشهيد الشاب فهيم عبد الله ثابت كرمع وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وألهم والدته وأهله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وانا اليه راجعون..