الحوار مع الرئیس الیمني عبد ربھ منصور هادي لا یخلو من سرد للأحداث، ومحاولة استخلاص العبر منھا، فھو یتكلم بھدوء وعفویة وسلاسة ممزوجة بحكمة من تقلب في مناصب شتى عسكریة ومدنیة. مر هادي على فترات من التاریخ الیمني المعاصر الذي كان مملوءا بالصراعات والحروب بین الیمنیین قبل الوحدة وبعدها، وذكر خلفیات الأحداث التي اندلعت في الیمن مطلع العام الماضي، ومر على متطلبات المبادرة الخلیجیة، وأهم تلك المتطلبات، الحوار الوطني المزمع إجراؤه منتصف نوفمبر (تشرین الثاني) المقبل. تحدث عن طبیعة زیارتھ إلى المملكة المتحدة، والولایات المتحدة الأمیركیة. «الشرق الأوسط» التقت الرئیس الیمني في مقر إقامتھ في العاصمة البریطانیة لندن، بعد أن خصھا بجلسة تحدث فیھا عن مجمل قضایا الساعة في بلاده، على الرغم من قصر وقت زیارتھ، وازدحام برنامجھ، الأمر الذي جعلھ ینأى عن كثیر من وسائل الإعلام، وفي هذا الخصوص قال هادي، «وضعنا في الیمن لا یحتمل المزید من الكلام.. نحن نرید المزید من العمل»، وتحدث الرئیس الیمني بشيء من الحذر أثناء الحدیث حول الأوضاع الراهنة في الیمن، وقال «لا نرید الكلام لأن كل طرف في الیمن یؤول الكلام على النحو الذي یریده هو، ونحن على أبواب مرحلة الحوار الوطني، ونرید أن تمثل فیھ كل الأطراف الیمنیة». وذكر هادي أنھ یرید من وسائل الإعلام ألا تتنافس فیما یمكن أن یكون عامل تفرقة بین أبناء شعب في الیمن. وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت أول حوار صحافي مع الرئیس الیمني عبد ربھ منصور هادي بعد انتخابھ مباشرة، بینما أدلى لھا بأول تصریح یوم أن تم انتخابھ رئیسا توافقیا للبلاد. وتحدث هادي حول الأوضاع السیاسیة في البلاد أیام الشطرین وبعد الوحدة، وكیف امتزج ذلك التاریخ بالحروب والصراعات، إلى أن انتھت تلك السلسلة إلى الأحداث التي شھدها مطلع عام 2011، والتي أدت إلى توقیع الرئیس الیمني السابق علي عبد الله صالح على المبادرة الخلیجیة التي أفضت إلى تنازلھ عن السلطة، ودعا هادي الیمنیین إلى تجاوز خلافاتھم، واقتناص الفرصة التاریخیة للخروج من عھود الحروب والانقسامات، والنظر بإیجابیة إلى المستقبل، قائلا «خمسون عاما قضیناها في الیمن ونحن یا (قاتل یا مقتول)، حروب مستمرة وخلافات لا تنتھي، ولا بد للیمنیین من أن یتركوا وراءهم ماضي الحروب والخلافات وأن یتوقف النھج الذي یؤدي إلیھا». سألناه عن طبیعة زیارتھ للمملكة المتحدة فقال، «الھدف من وراء الزیارة اقتصادي، حیث إن بریطانیا تعد من الدول المانحة التي تدعم الاقتصاد الیمني، وللزیارة أهداف أخرى فیما یخص المساعدة في إعادة هیكلة القوات المسلحة والأمن، وجوانب التأهیل والتدریب العسكري، وأهداف أمنیة تتعلق بالتعاون الأمني بین البلدین». وأضاف هادي: «بریطانیا سترأس اجتماع أصدقاء الیمن في نیویورك یوم 27 من الشھر الحالي، على هامش اجتماعات الجمعیة العامة للأمم المتحدة، وهي مع الیمن والمملكة العربیة السعودیة تتولى مسؤولیة قیادة المجموعة». وكان وزیر الخارجیة الیمني الدكتور أبو بكر القربي قد ذكر في تصریح سابق أن الرئیس الیمني سیفتتح أعمال مؤتمر أصدقاء الیمن الذي سینعقد الأربعاء في مدینة نیویورك على هامش اجتماعات الجمعیة العامة للأمم المتحدة. وذكر هادي أثناء لقائھ مع «الشرق الأوسط» أن «البلاد مقبلة على الحوار الوطني، وأن على كل الأطراف المشاركة في الحوار دون شروط مسبقة وأن الحوار مفتوح لكل الأطراف، وأن الحوار سیكون دون سقف» ملمحا إلى أن «الحوار الوطني هو المخرج لكل الیمنیین من عھود الانقسامات والحروب». وحول ما أثارتھ بعض وسائل الإعلام الیمنیة من احتمال أن یلتقي الرئیس الیمني عبد ربھ منصور هادي بعض رموز المعارضة في الخارج أكد هادي أنھ لا توجد هناك أهداف أخرى من زیارتھ للملكة المتحدة سوى الأهداف المذكورة، نافیا أن یكون التقى أو سیلتقي أیا من قادة معارضة الخارج في لندن حسبما ذكرت وسائل إعلام یمنیة. ولمح هادي إلى أن الأمور تمشي بوتیرة ثابتة في البلاد، وإن كانت ببطء أحیانا نظرا لحساسیة اللحظة الراهنة التي تمر بھا البلاد. وشبھ هادي سیر الأمور على مستوى التحول السیاسي وبناء الیمن الجدید «بسیارة تحاول شق طریقھا في طریق رملي تغوص فیھ عجلاتھا، ویحتاج سائقھا إلى التوقف بین الحین والآخر لإزالة الرمال المتراكمة حول إطارات السیارة، ووضع بعض الألواح المعدنیة تحت الإطارات لتمكین السیارة من المسیر والخروج من بحر الرمال». وبدا من حدیث الرئیس هادي أنھ مطمئن إلى مجریات الأمور في البلاد على الرغم من ما یعتور حركة التحول السیاسي من مطبات تؤدي إلى تباطؤ سیر العملیة السیاسیة. وذكر هادي أن الیمن تجاوز المرحلة الأصعب التي كان یمكن أن تنزلق فیھا البلاد إلى الحرب الأهلیة مؤكدا «تجاوزنا الكثیر من العقبات، وتخطینا المراحل الأصعب، ونحن الیوم ننظر للمستقبل بثقة». ومع اقتراب الساعة من العاشرة صباحا أخبره سكرتیره بأن السیارات جاهزة للذهاب للقاء رئیس الوزراءالبریطاني دیفید كامیرون، وانطلق الموكب الرئاسي المكون من أربع سیارات في بساطة تعكس روح المرحلة المقبلة. وخرج الرئیس هادي ووفده المكون من وزیري الخارجیة الدكتور أبو بكر القربي، والتخطیط والتعاون الدولي الدكتور محمد السعدي وأمین عام رئاسة الجمھوریة الدكتور علي منصور بن سفاع إلى موعدهم مع رئیس الوزراء البریطاني دیفید كامیرون. وكان الرئیس الیمني عبد ربھ منصور هادي قد وصل بعد عصر الأحد إلى العاصمة البریطانیة لندن في زیارة رسمیة للمملكة المتحدة في مستھل جولتھ الخارجیة التي تشمل عددا من الدول الأوروبیة والولایات المتحدة الأمیركیة وذلك تلبیة لدعوات مسبقة من قادة تلك الدول الراعیة للتسویة السیاسیة في الیمن والمرتكزة على المبادرة الخلیجیة وآلیتھا التنفیذیة المزمنة. وغادر هادي العاصمة البریطانیة بعد ظھر أمس في طریقھ إلى نیویورك لحضور اجتماعات الجمعیة العامة للأمم المتحدة التي تبدأ الیوم، ولافتتاح مؤتمر «أصدقاء الیمن» الذي یعقد في نیویورك غدا الأربعاء.