كانت توصيفات المراقبين السياسين تتردد في إلحاق الشبه في الحرب اليمنية بين النموذجين السوري والليبي للشبه الذي يتراوح بينها منذ أن بدأت هذه الحرب في شتاء العام 2014م .. حيث ينطلق كل محلل في تقديم موجبات القرابة بين الشبيهين بناء على التقارب الذي تتخذه حرب اليمن في تقلباتها وتحولاتها مع أحد النموذجين الثابتين لحروب استقرت كامثلة واضحة مرجعية لربيع الشرق الأوسط .. لكن الحقيقة قد تقود بالنظر الى سجل الحرب الممتدة منذ ثمانية اشهر إلى توصيف مبتكر قد يستوعب هذين التشبيهين دون ان يلغي أي منها ، وهو التوصيف القائم على اعتبار ان الحرب اليمنية هي حرب ذات طبيعة "متزحلقة" بدأت "ليبية" وهي الآن على اعتاب الشروع بالمرحلة السورية الجاهزة لأخذ رحلة الحرب في اليمن في نزهة الى تفاصيل الجهنم المتقد في القطر السوري .. ويعود السبب في هذا الوصف المركب الذي تاخذه حرب اليمن إلى مزاجها المتسلسل بعد ان تخطت الظنون في سلاسة منجزات كانت منتظرة في أن تنتجها العاصفة في شكل نتائج حاسمة وسريعة في زمن قياسي بالنظر الى قوة النار المستخدمة من قبل التحالف العربي في قصف قوات الحوثي ، لذلك أعتقد الجميع بأن الحرب في اليمن تتجه إلى تكرار تجربة حلف الناتو مع قوات معمر القذافي في ليبيا ، وبعد اشهر قلائل من بدء عاصفة الحزم سقط العالم في الذهول بسبب المقاومة العنيدة التي ابدتها قوات الحوثيين وكونت لدى البعض شكوكا في الاتكال على نمط الحرب الليبية في تحقيق الحزم المطلوب من حرب اليمن ، وقد ساهم في تقوية تلك الشكوك مسار العمليات الذي اثبت ان الحوثيين قد تجاوزا نقطة الذهول وان الغارات الجوية لقوات التحالف العربي قد تجاوزت نقطة المفاجاة ، لذلك وقع الخيار على تطبيق السيناريو السوري في اليمن كانتقال إلى خيارات الخطة الحرجة انقاذا لماء الوجه المبدد من هيبة التحالف العربي المتورط بصورة دراماتيكية في حرب استعادة الشرعية في الجمهورية اليمنية .. أن الاقتباس السوري المقرر ان تجريه المملكة العربية السعودية على حرب اليمن سيكون مقررا فقط على جزئية تغيير المعامل الميداني المساند لعمليات القصف من الجو ، فهناك عشرات الدلائل التي برهنت على وجود عجز عضال يشل قدرات المقاومة النظامية التي تقدم باستمرار من خلال يوميات الحرب أنموذجا متكرر لحالة الفشل المريع وهي تتلقى الضربات من الحوثيين وتعجز في أن تكون بنفس الفاعلية والمناورة التي تتطلبها حرب تعتمد على كسب الأرض وقضم المحافظات وبسط السيطرة بطريقة تضمن تقطيع المقومات الجغرافية "للعدو" .. كذلك الفشل الاستراتيجي في الوصول الى الخزانات البشرية للجيش الحوثي وبناء استحكامات آمنة على كل قطاع تتم استعادته حتى يكون نقطة انطلاق جديدة في مسار استعادة السيطرة على كل اليمن من ايد الحوثي .. كما تبدو الأمور جلية في فشل المقاومة التي تعمل في ركاب التحالف العربي وبسبب قوامها السياسي والوطني في التوافر على دافعية متجددة تؤمن لها ذاتية في التحرك مع متغيرات العمليات دون الحاجة إلى تربص نسق الحركة المتبعة في تقديرات قوات التحالف بخصوص درجات التسارع الوقتية في مستوى عملياتها على الارض .. فالمقاومة في هذ الجزء التكتيكي من خطط التحالف الاجمالية لا تربط تسارع حركتها وأسلوب عملياتها الإجمالي بدرجة التسارع المتبع في حركة "العدو" في خطوط المواجهة ، بل انها ترهن خط بيانات العمليات هبوطا وصعودا بقدر الاحماء الإعلامي والسياسي الذي يشب ويفتر في عواصم التحالف العربي وفقا لتحول وصف الأولوية للملف اليمني من جدول اهتمامات التحالف لصالح ملفات وقضايا أخرى ، وهنا تعجز المقاومة المسيسة عن خلق سياق مستقل لا تكون تقاطعاته بأهداف الكيانات المشتركة فيه عيبا يمنعه من مسايرة المناورة العسكرية ذاتية الحركة التي تقوم عليها عمليات حرب الجيش الحوثي ، وربما تتحول دواعي تملق مزاج المملكة ورهن التحركات على الارض بتصعيدات الدبلوماسية السعودية على خط المواجهة السياسية مع الحوثيين ربما يؤدي ذلك إلى تحول العمليات العسكرية للمقاومة إلى عمليات استعراضية وقد يتحول ايقاع النار على الجبهة إلى عنصر مساومة يهدف إلى لي ذراع المملكة تجاه مطالب معينة او استحقاقات شخصية ضيقة وانانية لهذا الفصيل أو ذاك من فصائل المقاتلين .. كما ان تنوع العناوين الفئوية والمناطقية والتنظيمية في أهداف جموع المحاربين في جبهة الشرعية بل وتباينها وتصادم اهدافها وبرامجها في مسائل حيوية واساسية قد انتج أثرا عكسيا في إمكانية تمزيق التحالف العربي نفسه وقد بدأت تلك المؤشرات المقلقة تنتج أثرها في الشائعات التي تتحدث عن انتقال التباينات بين المقاومين إلى العلاقات السعودية الامارتية نفسها وبدأ الحديث يتسارع عن وجود مشروعين متصارعين على الارض بين السعودية والامارات .. وبما ان هذه الحرب هي حرب المملكة وبما انها تعجز عن قبول فكرة انتهاء الحرب اليمنية باخراج تتصدر فيه عناوين التشكيك في قدرات الردع السعودي على حدودها المباشرة وفي اضعف حلقات المساهمة السعودية في مشروع "الردع السني" الذي باتت المملكة تتولى كبره في مواجهة "المد الإيراني الشيعي " كما يتم التسويق له في الإعلام .. حيث ينتظر أن تؤدي أي انكسارات سعودية في ملف اليمن إلى الحاق أضرار بالغة السوء بصورة المملكة العربية السعودية كحامي اقليمي ومركزي للاغلبية السنية في الخليج والوطن العربي ، بل قد تصل تلك الإضرار من وجهة نظر المتشائمين إلى الحد الذي يهدد المملكة مباشرة بإخطار أمنية وسياسية كفيلة بزعزعة الامن والاستقرار المسجل في البلاد من عقود طويلة للغاية .. هكذا تكون خسارة الحرب اليمنية بالنسبة للسعوديين في حكم الانتحار العلني امام العالم ، ولعل في معرفة المحلليين القريبين من خط الشرعية اليمنية بهذا المازق الكبير الذي يحيط بتفكير المملكة ما يغريهم بابتزازها بناء على تحولات الاوضاع الميدانية على الارض والتحكم في وتيرة خفض ورفع نسق العمليات بما يناسب خدمة الهدف المقصود من ايقاع المملكة او بعض الأجنحة في دائرة قرار التحالف العربي في دوامة الابتزاز لتغيير سياستها تجاه مقاربات التسوية الشاملة وشكل الحلول والمعالجات التي يجب أن تتضمنها أي مقاربة لتحقيق التسوية النهائية للأزمة في اليمن .. كل هذا الخليط من التحليلات الجيوسياسية والفرز الدقيق لكل عناصر الحرب في اليمن يقود إلى إثبات حقيقة راسخة مفادها أن المملكة العربية السعودية لا يمكنها أن تخسر الحرب في اليمن ، وان جميع الخيارات مفتوحة لأجل الوصول أما إلى استسلام غير مشروط أو جعل الحرائق الملتهبة في اليمن عامل تأجيل لأي خسارة متوقعة للتحالف العربي في هذه الحرب .. وهنا بالتحديد تبدأ الحرب اليمنية في الانتقال إلى الخطة "بي" وبالاصح تبدأ في الاسترسال في نقل مركبات الصراع السوري وقطع غيار المعارضة المسلحة هناك إلى المقاومة المسلحة المساندة لهدف التحالف العربي في إعادة الشرعية الدستورية إلى حكم اليمن .. ان النموذج السوري في شكل المعارضة المسلحة بتكويناتها ومراجعها المتنوعة هي أشرس صور القتل المخترع في خطط الحكومات الراغبة في زعزعة استقرار اي دولة أو للحصول على خدمة الحرب بالوكالة التي تخوضها تلك الدول دفاعا عن مصالحها الحيوية التي تبدأ من حدود الدولة المستهدفة بحالة الصراع التي تحبك تفاصيلها في الخارج .. كما أن المطلوب بعد ان تتعود قابلية الناس على صور الفظائع والاشلاء كما هو الحال في اوساط الحاضنة الشعبية للحوثيين هو إنتاج مستوى عال من الوحشية يتجاوز خط الاعتياد البشري هناك حتى يستاهل الرقي إلى درجات الردع الدموي خصوصا في مواجهة الأمواج البشرية الحوثية التي يستعصي على المملكة ردعها بوابل الغارات الجوية التي يبدو أنها افلست من قدرات الصدم الدموي الكفيل برد تجاوزات الحوثيين لخطوط الردع المصبوبة حتى اليوم .. تحتاج الخطة "بي" إلى جماعات تؤمن ايمانا ايدلوجيا وفلسفيا بنظام استعمال الوحشية القصوى في كتوظيف مقبول في مصارف الغاية تبرر الوسيلة وهو ما يتطلب قدرة غير آدمية تملك ان تتعايش نفسيا مع هالة لا معقولة من كميات القتل المتنوع في الأهداف وفي الوسائل، المطلوب هو "حصادة " قتل ميكانيكية الشعور تصدم جموع الحوثيين وتصل إلى نقطة الذعر المترسب تحت كميات التحشيد الديني الذي يخفي إلى حين مكونات الخوف الطبيعية لدى أي حوثي بشري ولدى جميع الكائنات الحية دون استثناء .. وهي ذاتها الجماعات الحائزة على كراهية تلقائية بل ومفعمة تجاه ما يسمى بالمشروع الرافضي في المنطقة ، وتملك بالسليقة انجرارا غير مسبوق إلى الدماء الشيعية التي ترقرق في حناجر الحوثيين ، وقد تستعيد بها المملكة كثيرا من زمام المبادرة على جميع الجبهات العسكرية في الميدان ، وتملك أن توجهها في كل الاتجاهات المتوحشة دون أن تكون بحاجة إلى التصادم مع مصفوفة قيم من أي نوع طالما وان الحرب لدى هؤلاء هي شرعة مستقلة تقوم على إباحة كل الخطوط الحمراء .. لا شك أن التركيبة السورية ستكون الحامل المثالي لمشروع المملكة في الدفاع عن النفس ورغم الفضاعات المنتشرة في تفاصيل الخطة "بي" إلا أن السياسة هي دائما منتج قليل الرحمة تدفع الجموع المسحوقة من الناس ضريبته التي لم ولن يستطيع اليمنيون بعد اليوم ان يفهموا كميتها والجهة التي ستستفيد منها أو ستقوم بجبايتها من أمنهم وحياتهم واستقرارهم ومن دمائهم ايضا ،،،