احتضنت تربة عدن الطاهرة- يوم الثلاثاء 8/12/2015م جثمان ابنها البار الشهيد اللواء جعفر محمد سعد قائد معركة تحرير عدن, ومحافظها حتى لحظة استشهاده, بفعل الجريمة الإرهابية التي استهدفته صباح الاحد (6/12), وأودت بحياته مع عدد من المرافقين له, وهي الجريمة التي تعد تطوراً خطيراً في الحرب على الجنوب, واغتيال رموزه ومناضليه وكوادره النوعية, الذي لم يتوقف منذ أكثر من ربع قرن. كما لا يمكن وضع هذا العمل الإجرامي الدنيء واستهداف قائداً بمكانة الشهيد جعفر خارج إطار الصراعات الراهنة, والحروب الدائرة منذ أكثر من عام, التي فجرتها واشتعلت نارها واستجلبتها قوى الانقلاب والحرب المعروفة اختصاراً (بالحوعفاشية). عاد الشهيد جعفر محمد سعد إلى صفوف شعبه وإلى وطنه ومدينته, تاركاً وراءه مدينة الضباب ليشارك الجميع بمن فيهم زملاءه العسكريين في معركة التصدي للعدوان وتحرير عدن, ثم استجاب ثانية لنداء الواجب وعاد إلى عدن ليقود معركة أخرى لا تقل ضراوة وشراسة وأهمية عن المعركة الأولى, وأن كانت بوسائل أخرى (ناعمة), استهدفت تطبيع الأوضاع في عدن, ومعالجة الآثار المباشرة للاحتلال والعدوان, بما فيها إعادة الإعمار, والأزمات والمشكلات والاختلالات التي أرهقت كاهل المواطنين, والتأسيس للمشروع المستقبلي لمدينة عدن. بكفاءة واقتدار وثقة وتفاؤل وصبر وإصرار وحكمة وتواضع, وفي ظل أوضاع وظروف شائكة ومعقدة, ومشكلات متفاقمة وأزمات خانقة وإدارات وأجهزة مشلولة، وانعدام الحد الادنى من الإمكانيات الضرورية للعمل.. قام الشهيد بدوره وعمل كمحافظ لعدن, وفي فترة زمنية لم ترتدين الشهرين ،تمكن خلالها من إنجاز الكثير وأسس لما هو أهم. وبالنموذج الذي قدمه الشهيد فقد اعاد الاعتبار لمعنى حمل المسؤولية والأمانة ، ونال احترام وحب وثقة عامة الناس الصغار والكبار, ومن مختلف الشرائح والقوى والجماعات, وأوجد لنفسه مكانة تليق به في قلوب وأفئدت الجميع. أن هذه الحقائق والوقائع والكثير غيرها, هي التي جعلت خبر استشهاد اللواء جعفر صادماً للناس, ونزل عليهم كالصاعقة, ومعه أدخل الحزن والكآبة إلى كل بيت في عدن والجنوب عامة, ودفع الحشود الغفيرة من الجماهير للمشاركة في الصلاة على جثمانه الطاهر, وتشييعه إلى مثواه الأخيرة, وهي المشاركة التي عبرت عن الوفاء لمن كان حقاً رمزاً ومثالاً لأسماء معاني الوفاء والعطاء والانتماء. وكانت أيضاً تعبيراً عن مدى تقدير الناس لمكانة الرجل ودوره وخياراته السياسية, وعهداً على مواصلت المشوار. وإلى ذلك فقد عبرت المشاركة الشعبية الحاشدة في التشييع إلى جانب غيرها من المواقف عن الإدانة الحازمة للعملية الإرهابية التي أودت بحياة الشهيد وعدد من مرافقيه, ولكل الأعمال الإرهابية, والقوى التي تقف ورائها, وتأكيداً على أن لا مكان ولا مستقبل للإرهاب وقواه لا في عدن, ولا في الجنوب عامة. باستشهاد اللواء جعفر محمد سعد فقدت عدن أبناً باراً, كان على الدوام وطوال مشوار عمره الزاخر بالعطاء خير من مثل معنى الانتماء لعدن, ووضعة في إطاره الطبيعي العام وفي المكان الذي يليق به. كما شكلت أيضاً خسارة للجنوب وثورته وشعبه الذي فقد برحيله قائداً فذاً, وسياسياً محنكاً, ومناضلاً استثنائياً لن تجود الحياة بمثيل له .رحل الشهيد في وقت يعاني فيه الجنوب من أزمة قيادة, ومن شح وندرة في القادة من وزن ومعدن الشهيد جعفر. رحمه الله وكل الشهداء رحمة الابرار, وأسكنهم فسيح جناته, وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان. انا لله وانا اليه راجعون .