عودة السفير أحمد بن مبارك إلى مسرح العملية السياسية التي تجري في محافظة عدن يقود الأحداث إلى التكرار الطبيعي لمشاهد أحداث 19 يناير 2015م التي حفلت بها مدينة صنعاء في العام الفائت ؛ فهذه العودة المفاجئة لمدير مكتب رئيس الجمهورية السابق تتحقق به الشروط الشبيهة بظروف تحول المسار في عدن إلى أزمة متوقعة بين شركاء القرار السياسي في عاصمة حلفاء العاصفة التي تتكون من الشراكة القائمة بين الحراك الجنوبي ومؤسسي الرئاسة والحكومة برعاية سعودية إماراتية .. حيث تتوافر بعودة السفير بن مبارك عوامل جديدة ستزيد من بوادر اشتباه الحراك الجنوبي الحاكم في ايادي خفية تتصل بمخططات خبيثة تقف الرئاسة بطاقهما في مكتب الرئاسة وأبناء الرئيس ورموز الزمرة الحاكمة وراء تدخلاتها المعيقة لمسيرة العمل التنفيذي الأمني والإداري الموكول إلى طاقم الحراك الجنوبي الحاكم ممثلا في محافظ المحافظة اللواء عيدروس الزبيدي وقائد شرطة عدن شلال علي شائع .. فالمواقع القريبة من الاثنين لا تكف عن التبرم من سلوك الرئاسة السياسي والأمني المتنافي مع جهود الرجلين في خلق بيئة سياسية ومحلية تؤسس للاستقرار في عدن وتهدف على المدى البعيد إلى تحصيل مقومات دولة الأمر الواقع على حدود العام 1990م ؛ حالة الارباك التي يتعرض لها الحراك الحاكم يشتد اوارها يوما بعد يوم وتقف التعيينات الرئاسية شبه اليومية على قائمة الشكوك في نوايا الرئاسية غير الحسنة إزاء محاولات الحراك الحاكم في تتبيب دعائم الاستقرار في مدينة عدن .. ولعل في عودة بن مبارك في هذا التوقيت ما يشير إلى زيادة الكفاءة في عمليات الارباك السياسي والأمني التي توضع في طريق الحراك الحاكم فالرجل على قدر كبير من الكفاءة في مهام خلط الأوراق ويجيد فن المراوغة وادارة التناقضات واختراع القرارت والمواقف الكفيلة بتنفيذ مرور دقيق بين مختلف التشابكات المتزاحمة وخلق تصارع في القاع يبعث الحرارة والطاقة لمؤسسة الرئاسة التي تستقر على قاعدة تعادل القوى المتصارعة تحت القصر ؛ بن مبارك يحذق على نحو مخيف فنون الكيد السياسي ويعتبر اضافة نوعية للجهود المريبة التي تنفذها مؤسسة مكتب رئاسة الجمهورية في عدن منذ عودة الرئيس الأخيرة إلى المدينة .. حالة التبرم الحراكية - غير المعلنة - من تصرفات مؤسسة الرئاسة تشبه إلى حد كبير تلك الشكاوى التي تكومت في طريق العلاقات المتوترة بين الحوثيين وطاقم الرئيس هادي في صنعاء وأدت في الاخير إلى خيار الانقلاب الذي نفذه الحوثيون صبيحة التاسع عشر من يناير من العام الفائت وادى إلى استقالة الرئيس والحكومة معا .. تلك المناوشات لم تأتي صدفة وإنما تفاقمت في فصول متتابعة وكان المشترك الوحيد بين حلقات التوتر تلك هو السفير بن مبارك الذي كان محطة دائمة للاشتباك مع سياسات الرئيس هادي حينما كان يشغل منصب امين عام مؤتمر الحوار الوطني ثم مديرا لمكتب رئاسة الجمهورية ؛ محطات بدأت بانتقاد طريقته لإدارة مؤتمر الحوار الوطني وصولا إلى حفل الختام الذي أشعل الفتيل واتهم به الحوثيون إدارة الرئيس هادي بتعمد التعالي على ملاحظاتهم بخصوص حملات الاغتيال التي يتعرض لها ممثليهم في المؤتمر ووصولا إلى قضايا الأقاليم ، وإصرار الرئيس شخصيا على تسمية بن مبارك نفسه رئيس للحكومة التوافقية بموجب اتفاق السلم والشراكة خلفا لباسندوة ، وجهود فرض مسودة الدستور رغم الاعتراضات المسجلة عليها ، وهي القضايا التي تولى كبرها السفير بن مبارك وكانت السبب المباشر في انتحاء الاوضاع الى خيار التصعيد الحوثي الذي ابتدأ بخطفه وخطف مسودة الدستور معه .. ان مخلفات الماضي البغيض ستتجاوز حتما متغيرة التصالح والتسامح التي حالفها النجاح فقط بشروط البقاء بعيدا عن اجترارات الصدام المناطقي التي تتولد بطريقة متلازمة في ظروف العيش في دائرة السلطة لقد نجح الجنوبيون مرة واحدة في العيش تحت ظلال التصالح والتسامح وفشلوا مرة قبلها وكان الفرق بين التجربتين يتخلص في انهم فشلوا حينما كانوا في وضع التشارك في السلطة في العام 1986م ونجحوا في وضع التشارك في المعارضة منذ واقعة التصالح والتسامح التي حدثت في اجتماع جمعية ابناء ردفان في العام 2006م .. الوضع الحالي هو أشبه بوضع الفشل المسجل بكارثة الثالث عشر من يناير 1986م ولازالت مولدات هذا النسق تتفاعل يوميا مع الحوادث المتجهة بشكل غريب إلى إبراز عوار التصالح والتسامح بالاستهداف المبرمج لمكون واحد من مكونات الديموغرافيا الجنوبية المتوازية مع خطوط السياسات الدامية التي أدت إلى كارثة الثالث عشر من يناير 1986م .. كانما تتحد الخروقات الأمنية واتجاهات السياسة في عدن في محاولات نكأ الجراح السياسية المقفلة بمنعرج التصالح والتسامح ويزيد من رداءة هذا الجهد حالة الحياد النشط المسجلة في مواقع رموز "الزمرة" المنخرطين في مناصب حيوية في إطار عملية الحكم المشترك التي تتولى إدارة الوضع في محافظات الجنوب .. وليس من قبيل التجديف القول أن كل تلك العوامل الشريرة تشكل ثقلا كبيرا على حالة التعقل التي يتدارى فيها الطرف الآخر خشية البروز لاستحقاقات الرد وتزيد من كشف سوءة التصالح والتسامح في مواجهة قواعد هذا المكون التي لن تظل صامتة إزاء الشطط في تمزيق عرى هذا المكون بالاستهداف شبه المبيت لرموزه أولا ثم الاستهداف شبه المكشوف لتجربته الفتية في محاولة تحقيق أماني التحرير والاستقلال .. ان أهم نقاط الضعف الذي ساهمت في مأزق الحراك الحوثي صبيحة التاسع عشر من يناير من العام الفائت وضاعفت الصعوبات التي ترافق حتى الآن محاولاتهم في إنجاح نتائج هذا المسار هو الفشل أو عدم الاهتمام بالعلاقات الدولية وعدم وجود ارضية علاقات متينة مع دول الاقليم والامم الاخرى ؛ وبالتالي كان طبيعيا هذا الفشل الذريع في الحصول على تعاطف دولي يتجاوز عقبة "الشرعية" السليبة ويضمن اعتراف دولي من أي نوع بمترتبات الانقلاب على الشرعية الدستورية ومن ثم اعتراف بالأوضاع المتغيرة على الارض بما فيها الهياكل البديلة التي اعلنوها لسد الشاغر في موقع السلطة التنفيذية بشقيها الرئاسي والحكومي ؛ هذا الفشل غير المسبوق عاى الصعيد الدولي هو المسئول بنظري عن حالة التطابق في مواقف جميع الدول في الشرق وفي الغرب ازاء دعم الشرعية في اليمن وإدانة الإجراءات الأحادية التي اتخذها الحوثيون منذ 19 يناير 2015م وكانت السبب في صدور القرار الدولي رقم (2215 ) ثم قرار التدخل العربي بمسمى عاصفة الحزم .. ولا يزال الحراك الجنوبي الحاكم يفتقر إلى هذا العامل المهم والأساسي في التجارب التي تحتاج إلى تفهم دولي لأي إجراءات تتجاوز المواقف الدولية المسجلة إزاء النظام الحاكم في هذا البلد أو ذاك ؛ وماتزال حظوظه في الحصول على التأييد الدولي لأي اختراق قد يفرضه في سياق أحادي الجانب محصورة في إطار النوايا الهزيلة التي أسفرت عنها جهود تدويل القضية الجنوبية التي باءت بالفشل مرات ومرات .. ان التجربة الحوثية بين 21 سبتمبر 2014م إلى 19 يناير 2015م ستظل ضاغطا كبيرا على تجربة الحراك الجنوبي التي بدات لتوها في عدن بسبب اتحاد عوامل تلك التجربة والشبه الكبير الذي ينتظم التجربتين في فقرات متعددة من ظروف سياسية وأمنية وتحديات تكاد أن تصل إلى درجة التطابق .. ويكاد أن يتحد شخص الفتيل بين التجربتين بعودة بن مبارك الذي تقول الشواهد انه سيكون عنصرا اساس في عمليات تصنيع توجهات الرئاسية في قصر معاشيق ، وربما تبدأ شرارة الصراع بقرار لا اراه مستبعدا بالمرة يصدر من رئاسة الجمهورية ويتضمن القيام بتعيين السفير العائد من المفكرة السياسية القريبة للاحداث احمد عوض بن مبارك رئيسا لمجلس الوزراء ،،،