هل يأتي يوم نقول فيه "كان الجنوبيون" بدلاً من "قال الجنوبيون"؟ و الجنوبيون اليوم لا يقولون ولا يفعلون، وإذا قالوا أمراً فعلوا عكسه. والأمثلة لا تعد ولا تحصى ويمكن لأي جنوبي مراجعة خطابات حكامنا ، أو بيانات حكومتنا أو تصاريح سياسيينا ، أو حتى مقالات مثقفينا ونظريات مفكرينا "وتصرفات" فنانينا، ليكتشف أن الجنوبيين أمة تقول مالا يفعل ، أو تفعل عكس ما تقول. هل ينقرض الجنوبيون؟ أول مرة خطر لي فيها هذا السؤال ،إثر انتهائي من قراءة مقال للناقد السعودي الدكتور/ سعيد السريحي، وردت فيه عبارة "انقرض العرب ". قلت في نفسي : وهل يُعقل أن تنقرض أمة أعطت الإنسانية ما أعطت من معارف وعلوم، وإسهامات حضارية في شتى المجالات؟ وأردفتُ السؤال التالي إثر السؤال الأول : ألم تنقرض أُمماً أعطت الانسانية أضعاف ما أعطاه العرب ؟ أين الإغريق ،وأين الرومان وأين الفراعنة، وأين الاشوريون، وأين الفينيقيون؟ وأين الكثير من الأمم التي انقرضت أو تناثرت أمماً وشعوباً ، ولم يبقَ منها إلاَّ ذكريات في كتب التاريخ أو النصب الأثرية؟ حتى خطرت لي هذه الشواهد التاريخية، قلت لنفسي لِم الاستغراب ؟ نعم ، يمكن للجنوبيين أن ينقرضوا ، لعلنا قد قطعنا أشواطاً على درب هذا الانقراض الذي بدأ منذ تفرق الجنوبيون أطيافاً وأحزاباً . وفرطت أحلامنا الكبرى بالتحرير وبالحرية والاستقلال والديمقراطية وبالتنمية والعدالة الاجتماعية ، ومنذ راح كل منا يكيد لأخيه كيداً ، حتى تفوقت على إخوة يوسف وهذا المجال من كثرة الآبار التي نحفرها ونرمي بعضنا بعضاً وغياهبها ، ومنذ صار الابناء والشباب يتنفسون الجهل وانعدام الوعي والثقافة وحتى القراءة كأضعف الايمان باتت حلماً يتغنى به وبضعف الوازع الديني انتشر الموت والاقتتال صار هاجساً ، وذاك الموت القادم من الجماعات والتنظيمات الارهابية التي باتت تنشر الرعب والموت بمسمى الدين والاسلام، والاسلام منها براء منها ، كل ذلك سببه الجهل والتخلف المنغرس في عقول اولئك الشباب لا ، وذاك الموت المنتشر والاقتتال المستمر فيما بيننا والتزاحم والتناحر والكل يريد فرض سيطرته بقوة سلاحه وبلطجته وسلاطه لسانه ظاناً أنه الاقوى !! كواقعٍ ملموس لتطبيق شريعة وقانون الغاب !! هل ينقرض الجنوبيون ؟ لاسباب تتعلق بهم أو بسواهم لعلةٍ فيهم أو في سواهم ؟ صحيح أن الغزوة الاستعمارية شرسة وقاسية ومستمرة ، منذ قرابة خمس وعشرون عاماً ومسبوقة بغزوات كثيرة على مدار الازمنة والقرون ، وصحيح أن المؤامرة خطيرة ولئيمة ، وأن خيرات الجنوب في مرمى الاطماع والجشع الاستعماري ، لكن شعوباً وأمماً جديدة تعرضت لما هو اقسى وأعنف ، واستطاعت النهوض من جديد والانتصار على المأساة . ألم تتعرض الأمة اليابانية للضرب بالقنابل النووية ؟ ألم ترزح أوروبا بكاملها تحت حربين عالميتين ؟ فلماذا استطاعت معظم الشعوب الاخرى أن تخطو خطوات كبيرة نحو الاستقلال الحقيقي ، وبناء الدولة الحديثة ، مثلما استطاعت أن تؤسس نموذجها الملائم في الديموقراطية والاصلاح والتغيير ، وبقية المصطلحات المتداولة بكثرة هذه الايام ، وبقي الجنوبيين أمة متشرذمة متناحرة مغلوبة على أمرها ، حائرة بين مطرقة الاستبداد وسندان التطرف والتخلف والنزعات الانتحارية ؟ مرة أخرى ، الغزوة الاستعمارية خطيرة وغاشمة والعدو " الحوثعفاشي " كيان " سرطاني " ينهش في الجسد الجنوبي بأكمله لكن كان في الامكان كسر هذه الغزوة كما كُسرت غزوات سابقة كثيرة ، واقتلاع هذا الكيان لو كان الجنوبيين غير الجنوبيين والعقل الجنوبي ، غير العقل الجنوبي ، ولكن بما أن العقل الجنوبي في غيبوبة، وبما أن الخلل هو خلل بنيوي ، فإن إمكانية انقراض الجنوبيين إمكانية واردة ومحتملة وممكنة وغير مستحيلة . تحدث المفكر العربي سمير أمين عن "المجتمعات الخُراجية " عن كيفية زوال أمم ونشوء أُمُم جديدة من خارج دائرة الأمة المسيطرة، أو الأمة الرائدة وبالتالي فإن لكل أمة نصيباً من الحضارة ومن المجد ويا خوفي أن يكون الجنوبيين قد نالوا نصيبهم سابقاً، واكتفوا اليوم بالتغني بأمجادهم الغابرة والبكاء على اطلالهم وبالنوم على حرير الذكريات . ستنقرضون يا أهل الكهف إذا بقيتم في هذا السبات .. ولم تنتفضوا .. نعم ستنقرضون .