حينما يصرح مدير مكتب الرئاسة بأن مشاورات الكويت هي لأجل إصلاح المسار السياسي وليس لأجل بدء العمل السياسي ؛ فهنا ؛ ينبغي علينا أن نفهم سياق هذه التصريحات في اطار أن مشاورات الكويت لن تتضمن البحث عن خارطة طريق جديدة للخروج من الوضع الانتقالي الذي تشكل وفقا للمبادرة الخليجية وجاء بالرئيس عبدربه منصور هادي وكان مقررا له إلا يتجاوز سنتين على أبعد تقدير .. تريد الرئاسة أن تغرق مفاوضات الكويت في رمال الوضع الانتقالي لكي تضمن أن تظل إدارة هادي هي المختصة بتدبير المرحلة الانتقالية التي تتطلب نقل اليمن إلى الوضع الفيدرالي وهي المرحلة التي ستتطلب رئاسة مدى الحياة ؛ هذه الرئاسة الازلية ستفضي إلى لا شيء ؛ ولن تستطيع ان تتقدم ولو خطوة عملية واحدة على صعيد تنفيذ مخرجات الحوار الوطني نظرا لكثافة العوائق الملقاة في طريق احراز تقدم ملموس في ظروف اشتباك سياسي بالغة التعقيد ؛ وهذا بالمناسبة يفيد نوايا الرئيس هادي في أن يمارس هوايته المفضلة في قيادة البلد دون مسئوليات أو توابع قانونية تجعله في وضع المسئول الأساسي عن اي حالة تعثر تشهدها إدارة البلد في اي من القطاعات التي تتسب في العادة في إحراج الحاكم في مواجهة الشعب .. كانت رؤية المبعوث الدولي السابق جمال بن عمر قد استقرت على أن المطلوب في اليمن هو إدارة عملية سياسية جديدة هدفها الوصول إلى إنتاج أدوات إدارة جديدة تتراوح بين خيارات المجلس الرئاسي أو المجلس العسكري ؛ هذه الرؤية المتطورة التي أصبحت معلما لشكل الجهود الاممية المبذولة لحلحلة الانسداد السياسي المخيم على العملية السياسية الانتقالية في اليمن ؛ كانت نتاجا ؛ للتشخيص الدولي المتشكك في قدرات حلول المبادرة الخليجية بعد أن افضت تلك الآلية إنتاج رئاسة يمنية تصدرت قائمة العقد التي تغذي استحكام الأزمة اليمنية وتدفعها بإتجاه المزيد من التعقيد والتدهور ؛ وتحولت رغبة الرئيس هادي في التحايل على استحقاقات التوقيت في الآلية التنفيذية المزمنة الملحقة ببنود الاتفاقية الخليجية إلى مصدر كبير لعمليات خلط الأوراق وإدارة الأدوات الموصلة إلى تحقق تلك الرغبة بأسلوب ادارة الازمات وصولا إلى استخدام سياسة حافة الهاوية للضغط على الجميع كي يكونوا مستجيبين لفكرة إبقاء الرئيس هادي في الحكم لأطول فترة ممكنة ؛ لذلك ظلت جهود المبعوث الدولي السابق جمال بن عمر مستمرة في إدارة حوار يمني - يمني يبحث في صياغة حلول رئاسية جديدة على الرغم من خروج الرئاسة والحكومة من حسابات المبعوث الدولي بعد أن قدمتا استقالتهما احتجاجا على الأحداث التي وقعت صبيحة التاسع عشر من يناير 2015م .. استمرار رعاية الأممالمتحدة ممثلة في المبعوث الدولي الخاص السابق جمال بن عمر لحوار المكونات السياسية في اليمن في فندق موفنبيك في تجاهل صريح لموقف الرئاسة اليمنية من أحداث يناير 2015م يدل بما لا يدع مجالا للشك أن تشخيص الأممالمتحدة لأبجديات الحل في اليمن تبتعد بشكل نهائي عن مصفوفة حلول يكون عبدربه منصور هادي جزءا مفصليا منها .. نقول عن هذا التقييم الدولي بخصوص حظوظ الرئيس هادي في المستقبل بأنه اكتشاف مبكر بسبب أن ملابسات حديث وزير الخارجية الأمريكية جون كيري الذي أدلى به قبل أيام أثبتت أن تلك الجهود الاممية قد واصلت مجددا تعمدها إقصاء الرئيس هادي من تصورات الوضع النهائي لشكل المبادرة الدولية لإحلال السلام في اليمن والتي ثبت ان نائب الرئيس اليمني رئيس الحكومة خالد بحاح يشكل فيها قطب الدائرة بقيام تلك الرؤية على افتراض ممارسة ضغوطات على الرئيس هادي لإجباره على نقل صلاحياته الدستورية لنائبه الدكتور خالد بحاح ؛ تأتي المقاربة الأمريكية لوضع الرئاسة اليمنية في التفاهمات السرية لوضع السلام في اليمن في شكل جارح يتبنى التخلي عن الرئيس هادي في ظروف معاكسة للظروف التي أجرى فيها بن عمر مشاوراته الباحثة عن مؤسسة رئاسية جديدة تستبدل حكومة الرئيس المستقيل المحتجب في دار إقامته ؛ وهي من هذه الجهة تؤكد كذلك أن تخلي الجهود الدولية عن شراكة هادي في صناعة مستقبل اليمن لم يكن ناتجا عن وضع استقالته جراء أحداث يناير من العام الماضي بل إنها تقوم على قناعة توافر الشكوك في تقديرات الأممالمتحدة في صلاحية الرئيس نفسه من خلال الشك في حيازته للمؤهلات المطلوبة في شخص بمواصفات شخص جدير بتحمل مسئولية نقل اليمن إلى بر الأمان .. لقد كانت الجهود الاممية التي يتبناها المبعوث الدولي الخاص إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ تتبنى ذات السياق السياسي الذي استقر في تقييم المبعوث السابق جمال بن عمر وتبني عليه خصوصاً في المسار الذي يتعلق بتكريس النظرة إلى مقومات مسار الحلحلة في اليمن بأنها تتحقق في إدارة جهود السلام في صور حوار بين مكونات وليس بين طرفين يمثلان شكل الصراع المتحقق في عاصفة الحزم ؛ وقد كادت أن تظل جهود ولد الشيخ استكمالا لنظرية بن عمر وقد تضمنت رسالته الافتتاحية لمباحثات جنيف الأولى عناصرا تؤكد أن مباحثات جنيف ستتضمن استكمالا لحوار المكونات السياسية اليمنية التي تمت تحت رعاية المبعوث الدولي السابق في فندق موفنبيك ؛ ولولا تدخل السعودية في الموضوع واصرارها بأن تتم قولبة المفاوضات في صيغة حوار ثنائي بين طرفين تحولت إليهما رقعة الاشتباك التي نتجت بالحرب ؛ لكانت جنيف الأولى هي موفنبيك (3) ولأفضت إلى الصيغة الأمريكية لمركبات الحل في اليمن كما أفصح عنها حديث كيري الاخير .. كل هذا التراكم في التقييم الأممي المنجذب إلى استبعاد شخص الرئيس هادي من تحولات المستقبل السياسي لليمن يدل على أن الجهاز الأممي قد فقد كل الثقة في صلاحية الرئيس هادي كخيار في بناء يمن الفرصة الأخيرة ، بل لا استبعد أن تكون المقاربة الاممية قد توصلت إلى اعتبار الرئيس هادي جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل .. من جهة أخرى يمثل هذا التقييم الدولي تحذيرا ضمنيا من كارثية اتصال الرئيس هادي بأي حقبة سياسية مستقبلية يتمكن فيها الرئيس من أن يكون منتجا لكل المخاوف التي تخيلتها الأممالمتحدة في مسار تحول انطباعات التحليل الدولي إلى الانحياز ضد استمراره في مستقبل اليمن ؛ عبدربه منصور هادي ؛ بناء على مدايات استقراء الموقف الدولي ؛ يعتبر الشخص الوحيد الذي لا ترغب المؤسسة الدولية وداعميها الأساسيين من الدول دائمة العضوية في يكون له دور في اي عملية سياسية تهدف إلى تحقيق استقرار مستدام في اليمن .. كل دوائر التشخيص العريقة التي تتكأ عليها مخاوف الأممالمتحدة من توافر الرئيس هادي في موضع فعال خلال خارطة الطريق المتوقع أن تنبثق عن مباحثات الكويت وتؤدي إلى مستقبل آمن في اليمن ؛ يفترض من الطبيعي أن تستوقفنا لكي نتساءل عن حقيقة الضرر المضمر في مخاطرة الإبحار تحت قيادة الربان هادي في رحلة مستأنفة من جنس الاعتياد العربي في التمسك بالحكم رغم الشكوك العظمى في التوافر على مؤهلات الجلوس في غمرة القيادة ؛ فرغم الأخطار الماثلة التي تتربص في عرض البحر نظل أوفياء لعقدة التشكيك في الجهود الدولية ونحرص على أن نضعها في حيز المؤامرات التي تقترن في عقولنا بمثل تلك الإيحاءات اللاإرادية التي كان يتركها رنين الإجراس في سلوكيات كلاب بافلوف ؛ كلنا يمضي إلى مقابلة التشكيك بالتشكيك وينبري في التحيز إلى الرئيس "المظلوم" لا لشيء سوى أن الجهود الاممية دائما ما تحرك الهواجس فينا كي تعبث بمقومات الموضوعية في تقييمنا للأمور وتستدعي فينا الارتباطات شبه الفطرية التي تجبلنا على تلقي الجهود الدولية ؛ دائما ؛ في سياق المؤامرات على الامة .. كلنا يتعثر في التقاط الحقيقة حينما يكون المطلوب هو الوصول إليها عبر غابة من التجييش الإعلامي ؛ الايدلوجي ؛ الثيوقراطي ؛ ضد العداء الأمريكي للمهلمين من رؤسائنا العظام الساعين بكل إخلاص إلى رفعة الشعب وتحقيق تطلعاته عبر تجسيدهم للأداة العظمى في تحقيق نهضة العرب .. هكذا تتلقى روابطنا الايحائية تلك الجهود الراغبة في تضمين خالد بحاح في قلب تحولات الحل السلمي في الشق المتعلق بعودة الحكومة الشرعية للعمل في قلب العاصمة اليمنيةصنعاء ؛ ومع أن الرئيس هادي قد أفسد هذا المشروع ؛ والقى بالزيت في الماء ؛ بإجراءاته الاخيرة التي عصفت بعناصر المعقول في تصورات ما بعد الحرب ؛ الا ان مجرد اختلافنا نحن الجنوبيون على وجه الخصوص في فساد قرارات هادي الاخيرة وفي عوائدها العاصفة على عصمة التقدير الجنوبي لتحولات الاوضاع ذات الصلة ؛ بعد المشكل الأهم الذي يتعين أن نجتهد قليلا لكي نتشافى من .