يموتون كل يوم عشرات المرات ، يستنشقون الحر ، ويعصرون أجسادهم مرات ومرات ، يفترشون الدكك والممرات ، يعيشون على أمل ( لعل الله يحدث من بعد هذا العسر يسراً ) . أبناء عدن الذين لم تمر عليهم مثل هذه السنوات العجاف ، لا ماء ولا كهرباء ولا أمن ولاتصريف لمياه الأمطار ولا صرف صحي ، ولا حياة كريمة ، فهم يعيشون هذه الأيام مع الحر الشديد والرطوبة العالية.
إنها عدن دلوعة المدائن تغرق في المعاناة إلى أذنيها ، ولا مواسياً لها في أيامها السود الحالكات إلا محافظها الزبيدي ومدير أمنها شلال فهما من يخففان عنها ما تعانيه ، ويبحثان لها عن مستقبل أفضل ، لعل الله يدفع عنها معاناة الغرباء الذين جاءوا ينهشون متنفساتها وطرقاتها حتى أصبحت شوارعها الواسعة زقاقات لا تسمح بالمرور فيها . إنها عدن التي كانت تنام على نسمات وروائح عطر الحسيني ، وتستمتع بأصوات بلابل وادي بناء القادمة من أعماق دلتا أبين ، إنها عدن الناعمة المدللة التي لا تعرف إلا الدل والغنج ، ولم يأتِ ببال عاقل أن تصل بها الحال إلى ما وصلت إليه اليوم . عدن أول مدينة حضرية في جزيرة العرب حولها الغرباء والدخلاء عليها إلى قرية من القرى البائسة ، لم يستطع العقل أن يستوعب الواقع الذي وصلت إليه عدن زهرة المدائن والثغر الباسم الذي حطموا أسنانه .
إن رعاع الكهوف ومرتادي حانات الخمور وتجارها قد تفننوا في إرهاق عدن وأبناء عدن ، ولكن أبناء عدن قد شرعوا في إعادة إحياء المدينة التي دخلت في غيبوبة الأحزان منذ رفع علم الجهل على ترابها في العام 90م ، وشرعوا في حفر مدائن الرعب تحت مبانيها الجميلة ، لتخرج منها الوحوش الضالة لتقتل من حل على ترابها مسالماً لا يعرف الغدر ولا معناه ، إنها عدن مدينة الأحرار ، حاضرة الحواضر ، مؤنسة البحر ورفيقة الساحل ، فالحياة في عدن بدون كهرباء حياة بطعم الموت ، فارحموا من حل فيها فإنهم أطيب من حل على أديم الأرض ، وهم أطيب من جاور اليم ، فلا بارك الله فيمن عبث بمدنيتها وسكينتها ، قولوا آمين .