الشعب اليمني يدين بالإسلام وبالرغم من هذا لم يشفع هذا الامر في أن يتمكن اليمنيون في الحفاظ على انفسهم من مارد التكفير واستباحة بعضهم البعض في مشهد اصبح يستنسخ نفسه في مختلف المذاهب الفكرية والدينية ولم يعد حكرا على مذهب معين . ما إن نبحث ونستقراء ما بين اسطر المشهد اليمني ونقلب في اوراقه حتى نصل الى حقيقة قد يحاول البعض ان ينكرها ولكن تظل الحقيقة بمختلف زواياها تفرض نفسها وان رفضها البعض . فعملية الزواج بين السياسة والدين و الدمج بينهما جعل من الدين فريسة لأهواء ونزوات مراكز الحكم في اليمن حتى تم تحويل الفعل السياسي إلى فعل ديني ليخلق بالتالي مناخاً لا تتوافر فيه الرؤية الوطنية ليظل الدين حبيس في زنزانة الإيديولوجية النفعية التي حولت كل القضايا السياسية الخلافية الى صراعاً دينياً يجب أن تحشد له الجماهير . يقول سبحانه ((وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)) . فكون الاقطاع الديني احد معضلات المشهد اليمني بل وساهم هذا الاقطاع في تأجيج الحرائق السياسية فنجد من يحاول أن يضر بخصومه السياسيين يحول الدين الى سيف بيده يشهره وقت ما يشاء في لغة عفى عليها الزمن . التشبع بالأيدلوجية الدينية واستخدامها كحضن ينطلق منه الوصاية على الدولة والعمل كحارسه الأمين لا ينتج لنا الا صورة متقلبة الألوان تكون في افضل اوجها ظاهرها الرحمه وباطنها العذاب. هذه المعادلة التدميرية مع الاسف قلبت كثير من الموازين والافكار لما ينبغي عليه أن يكون التدين والدين في الحفاظ على حياة الناس ورعاية مصالحهم وحمايتهم من بطش السياسيين بل وضع كثير ممن يدعون انتمائهم للمؤسسات الدينية الرسمية والغير رسمية في خانة الحلفاء لتحقيق مصالح ذاتيه تخالف معايير وقيم الدين الصحيح . فلم يبخل المركز المقدس في استخدام هذا المنهج في رسم صورة و خارطة ذهنيه لليمنيين حتى يقبعون في سجن عبودية فكرية مطلقه يحاربون حتى من يريد لهم الخلاص . فهل تخيل منا ان احد يساعد احدهم على اخراجه من زنزانة السجن ليرفض الاخر ... وهذا ما يحصل لليمنيين . وقد تتحدث الى يمني اخر تجده في غيبوبة فكرية لا يعلم ما يدور ولا يرى إلا ما يراه أولئك من يقومون بالتفكير عنه كونهم يتحلون بالقدسية المصطنعه بلون الدين . فما إن ينادي أحد بالإصلاحات السياسية والعدالة الاجتماعية وبناء دولة النظام حكم عليه بانه باغي وربما مرتد عن الدين لبث الفرقه والخروج عن طاعة قدسية معصومة عن الزلل والخطأ . فمن منا لا يعرف ماذا كان يلعب الاقطاع الديني من دور رئيسي في تدعيم اركان نظام صنعاء بحلفائها القدامى وشركائها الجدد وكلنا يعرف الفتاوى التي أفتوا بإباحة دماء الجنوبيين وقبلهم ابناء المناطق الوسطى . وما زال مسلسل الفتاوى يطلق ضد بعض مكونات اليمنيين وأخرها ما يعرف بميثاق " شرف علماء اليمن ودعاة اليمن ". والذي احتوى على بنود ملغومة قدمت لنظام عفاش هدية على طبق من ذهب جعلت من اكذوبات عفاش وحلفائه الحوثيين حقيقة خدمت مشاريعهم التوسعيه . ومهما كانت المبررات لذلك وإن تغير المستهدفون فالغرض واحد سيصب في استمرار اشعال فترة الحريق اطول فترة ممكنه والقضاء على ما تبقى من النسيج الاجتماعي اليمني الذي سيركن اليه في بناء دولة تقوم على الاقل في وسط اجتماعي بعيد عن الاحقاد وهذا ما اصبح بالمهمة شبه المستحيلة.