ستبقى ذكرى الشهيد خالدة في قلوب الناس وراسخة في اذهانهم كرسوخ الجبال ، ويظل عبقها يملأ النفوس بروائح المسك والعنبر والياسمين ويشكل نورها الوهاج نبراس ينير طريق التحدي والبسالة ، فهي لوحة رائعة للإيثار والفداء والتضحية وعنوان للدفاع عن الارض والعرض والكرامة ورمز للنضال وروح الاقدام والثبات في مواجهة الموت وكسر حاجز الخوف من ازيز الرصاص ودوي المدافع ولهيب النيران . بقدر ما تشعر اسرة الشهيد بالاعتزاز والفخر بشهيدها البطل الذي قدم روحه رخيصة من اجل الدفاع عن الدين والارض والقيم النبيلة ، بالقدر نفسه يلف كيانها حزن لفقدها حبيب وغالي وركن من اركان بيتها ويحوم عليها خياله في كل زاوية وموقع كان له حضور فيهما ، فقد ترك غياب الشهيد أثر بالغ في نفوس جميع افراد اسرته . ومنهم ام الشهيد التي ملأ نفسها الأسى والندم ومرارة ذلك اليوم الاكثر هولا في حياتها يوم بلغها نبأ استشهاد فلذة كبدها وانطفاء شمعته بينما كانت تنتظر عودته ولقاءه واقفاً مبتسماً وبندقيته على كتفه ، لا تستقبله محمول على الاكتاف متضرج بدمائه فاقد الابتسامة مقطوع الانفاس ، فهذا المنظر زرع في نفسها الحزن والاضطراب وخنق قلبها بالأسى وجعل الدم يتدفق بثقل شديد في عروقها فاضطربت مشاعرها واهتزت الصورة امامها أيجب ان تفرح لاستشهاده وبلوغه مرتبة عالية مع الانبياء والصديقين؟ ام تحزن لفراقه؟ فمشاعر الحزن التي سبق وسكنت في نفسها لا تسمح لها بالحيرة فيما يجب ان تفعله وزغاريد الفرح التي تسمعها لا يجد صداها موضعا في فؤادها بل تنقلها الى النقيض فتجهش بالبكاء ويلفها الحزن ، فلا يزال فراقه يثير الحزن في قلبها فلا تجد في نفسها شيئاً من راحة او سكينة . كما ان الاب يتألم بصمت لذهاب ولده وسنده وقيمة ثمينة لا يغنيه عنها رقم من المال مهما كثرت الاصفار على يمينه ، ذلك الاب الذي تفاعل بمشاعره واحاسيسه مع كثير من المواقف التي مرت في حياة ابنه حيث قلق لمرضه ، وفرح لشفائه ، وحزن لتعثره وسعد بنجاحه ، لكنه لم يكن في تصوره ان يمر عليه موقف استشهاده وفقده وخسارته فهذا الموقف اعتصر في داخله أسى شديد كاد ان يقطع احشاءه ، فصبر وتماسك وكظم حزنه وابتهل الى ربه ان يتقبله شهيدا وينزله بإذنه تعالى في الفردوس الاعلى مع الانبياء والصديقين والصالحين . وان كان له زوجة فهي تفتقد زوجها حبيبها ورفيق دربها ومؤنس وحدتها وتروم الى لقائه وتشتهي وجوده بقربها والاحساس بدفئه فبغيابه شعرت بضياع جزء من ذاتها تبحث عنه ولا تجده فصارت ايامها خاوية لا ذوق لها ولا طعم . وكم من ابن وابنة يبحثان في ارجاء البيت عن ظل الاب وعن رعايته وتوجيهه وعن حمايته وعطفه ومشاعر الود الذي ان لم ينطقها لسانه فصحت بها نظراته وعن باب الامل الذي يفتحه بوعوده ، وعن نور البيت الذي فقد توهجه ، والامان الذي اختفى بغيابه . وهناك اخ يحن لرفقته ويشعر بضياع وقفته الى جانبه ورد عنه كل أذى ، ومؤازرته عند انتكاسته وتقديم العون والمساندة عند الحاجة ، كما يتوق لخصامه عند الاختلاف ذلك الخصام الذي سرعان ما ينتهي بالسماح والعناق وصفاء القلوب. وكذلك اخت الشهيد التي تفتقد لطلته الحنونة ، ووقفته الى جانبها بعواطفه الاخوية الرحيمة ، ومواساته لها واهتمامه بشؤونها وقلقه وتحذيره النابع من خوفه عليها ، ومزاحه الدائم معها محاولا زرع البسمة على شفتيها وادخال البهجة عليها، وامنياته القلبية لها بالسعادة ، انها تفتقد لواحد من روابط الاخوة المتينة ولا تتصور انقطاعه الى الابد . تعتبر أسرة الشهيد هي الأثر الباقي للشهيد فيجب على السلطة ان توليها الرعاية والاهتمام الكبيرين فذلك احد اهم واجباتها الوطنية تجاه من قدم روحه فداء للوطن وسقى بدمائه الزكية تربته الطاهرة . وعلى حكومة بن دغر _المتقاعسة في عملها وفي وضع حلول حاسمة لكثير من القضايا التي تهم المواطنين - ان تضع ملف الشهداء ورعاية اسرهم ضمن اولويات عملها لأهميته في تعزيز الانتماء الوطني ورفع ثقة الجماهير بالقيادة وخلق الارادة القتالية ورفع الهمم لصنع الانتصار وتحرير الارض .