40 يوماً مضت على استشهاد احد أبرز الهامات الجنوبية، رجل الهمة ،والإصرار، والعناد .. رجل المواقف البطولية الشجاعة ..ذَلِك القائد الاستثنائي المهاب ، الذي حمل روحه الثورية الوثابة على اكفه ، بقناعة وصدق الأنبياء ، حتى ارتقت تلك الروح الطاهرة إلى بارئها شهيداً في 7 /1 /2017م .. إنها روحك أيها الشهيد الخالد العميد (عُمر سعيد الصبيحي ) ، قائد اللواء الثالث حزم ، التي أبت إلآ ان تنال شرف الشهادة وانت تقود ببسالة معركة تحرير (ذوبان ) جبهة باب المندب ، بعد أن ترجمت نفحات روحك في الإنتصارات التي حققتها المقاومة الجنوبية الباسلة بقيادتك في جبهة صلاح الدين ، وهي البوابة الغربية الحصينة للعاصمة عدن ، وحزامها الدفاعي الأول . لقد شكّل خبر رحيلك شهيدنا البار، صدمة موجعة تلقتها الحبيبة عدن بشكل خاص والجنوب الحبيب بشكل عام ، لما لك من همم وبطولات .. وما لك من تضحيات وإباء ، وإيثار وكرم . لقد عرفتك عن قُرب ،أنك من الذين يملكون رمزية خاصة في القيادة ..ففيها وجدت قدرتك على التعامل بواقعية مع كل القضايا الماثلة أمامك ، فلم تأخذ عليها طابع الاستعجال ،او الأحكام الاستباقية ، بل كُنْت تنظر إليها نظرة القائد وتأملاته ..عرفتك انك لا تسلم بِشَيْء دون تمحيص ..لا تنطق بكلمة تخالف ما يمليه عليك ضميرك ..لا تتأهب خوض أي مهمة كانت في سبيل بلوغ الهدف الذي تضعه نصب عينيك .. نعم حياتك ايا عُمر كانت مليئة بأروع ذكريات مسيرتك النضالية ..منها أتذكر حين تهاتفنا معاً حول الاّراء والمواقف المتباينة التي سادت إحدى جلسات المجلس الأَعْلَى للحراك الثّوري ، بخصوص مقابلة الرئيس بقصر معاشيق ،فقلت لي متأسفاً إننا نضع أنفسنا ،ان نحن الطرف الأضعف..بدل أن نظهر أنفسنا بقوه ، ونحاور أي من كان ، لِما تقتضيه مصلحة قضيتنا ..رحمة الله عليك ،نعم كُنْت تمتلك ما يلزمك من الكفاءة ،والصراحة ،والمصداقية ،لتعبئة كل ما هو مشترك بين الأطراف، أي كُنْت قاسم مشترك ونقطة لقاء بين المختلفين ، حياتك شهيدنا البطل لأتعرف الخضوع ولا الاستسلام ،بل كُنْت ذلك القائد الشامخ ،الصنديد، غير آبه لطغيان الاحتلال وآلته العسكرية القمعية .. ولم ترهبك كل صنوف البطش والتهديد ، ولا زنازين ،ومعتقلات نظام الإحتلال ،أنها هي الحقيقة التي عبرت عنها الكلمة المأثورة لنجلك المقاوم (الشيخ وضاح) ،الَّذِي خاطب بها جموع مشيعيّك (لم يركع والدي في حياته ،إلآ لله الواحد القهار ، فكيف أركع والدي وهو ميت )،تلك هي شجاعة قوة الرد على شروط تحرير أسر جثتك ، من قبضة أَيْدِي عصابة الموت والدمار .. وفي خضم تلك التحدّيات فقد كُنْت تكابدها مُكابدةً مريرة ، لم يكابدها إلا النادرين فقط أمثالك.. ولم نجدك فيها إلا وأنت سريع الخُطى ، تتقدم الصفوف الأولى..لم نجدك إلا وأنت فارس من فرسان الجنوب الأوائل اللذَيْن لا يتأخرون عن تنفيذ المهامّ ونداء الْوَاجِب ..لم نجدك إلا وانت تصول وتجول في كل ساحات وميادين النضال التحرري السلمي ، وفي متاريس جبهات المقاومة الجنوبية المقاتلة ..فأي قائد قل أن يجود التأريخ العسكري الحديث بمثلك ، وانت تتقدم خطوط نار المواجهة الأمامية مع مُرافقيك الأبطال ، بعد أن وجدت أن لوائك يتراجع بجاهزيته القتالية غير المتكافئة مع الْعَدُو ..وبعد ان وجدت نفسك أمام رهان حاسم ، إن لا عودة إلا ببشرى النصر ، أو نيل شرف الشهادة .. فياله من إصرار عنيد ، ويا لها من تضحية أسطورية جسورة ،حين صدقت وكسبت الرهان ..وعدت فأوفيت.. أردت نيل الشهادة، فنلتها بجداره وفوزاً عَظِيم ..وصدقت شهيدنا حين اجبت على الفاضلة شريكة حياتك الّتي كانت تشاطرك أوجاع همومك ، اطال الله في عمرها ، وهيَ تسألك سؤالاً قلقاً بما مضمونه :ماذا سيعطوك من وراء همك المُثقل الذي أحكم على مشاق حياتك النضالية ، وعلى حساب صحتك وأوقات راحتك؟ ردّك كان رد الواثق المؤمن : سترى ذلك اليوم الذي ستكتظ فيه منطقة صلاح الدين في يوم استشهادي بحشود المشيعيّن.. وسترى أيضاً مواكب العزاء التي ستتوافد إلَيْكُم تباعاً من كل حدب وصوب ..فعلاً صدقت قولاً ، وجنيت فخراً ..إن وراءك أيّها القائد شعبية جارِفة ، وإن سمو مكانتك في قلوب وأفئدة الجميع ، ماهي إلا مكانة لا يفوز بها إلا أولئك المحظوظين من أمثالك ..وهو الرهان التي عبرت عنه عظمة ذلك التشييع المُهيب ، وجلال مجالس العزاء بطابعها الشعبي والرسمي ، وسيلاً من الإتصالات وبرقيات العزاء من داخل الوطن وخارجه ، كما أخذت الصحافة الجنوبية ، ومواقع التواصل الإجتماعي تُزين صفحاتها بصورك المُهابة، وموجة عاصفة من المقالات والتعليقات التي حملت عناوين إشعاعك النضالي العظيم . ومن هذا المستوى القيادي الرفيع ..ندعو إلى تشكيل لجنة لإعداد كتاب الشهيد ، يُدون سيرته ومآثره الكفاحية في ذاكرة التاريخ ، والاعمال والوقائع التي قام او شارك بها في المفاصل التاريخية التي مرّت على الجنوب .. وبهذه المناسبة أيضاً نجدد الدعوة إلى إقرار رئاسي يتم بموجبه :1- ترقية الشهيد إلى رُتبة لواء 2-منح الشهيد أعلى وسام الشجاعة والإخلاص 3-إطلاق إسم الشهيد على اللواء الثالث حزم ، الذي كان له الدور الكبير في تَأسيس بناءه وقيادته حتى استشهاده.