إذا لم يكن بمقدور احدنا في ظروف معينة ان يعلن الحقيقة كلها فلا بأس أن يقدم بعضها لكن المهم إلا يغالط ضميره ليزيف الحقيقة او يتستر عليها اذ انه في هذه الحالة لن يرتكب جرم "الشيطان الأخرس" و إنما سيقع فيما هو أسوأ، حيث يصبح شيطانا فصيحا، اذ لن يكتفي بالسكوت على الحق و أنما سيتورط في الترويج للباطل الذي نسج حباله اليوم على الإرجاء والنواح . الشيطان الأخرس وتلامذته من بني جلدتنا لا يروق للكثير منهم أن تستل قلمك وتبوح بكلماتك وتطلق العنان لفطرتك وتقول رأيك فيما يجري حولك من أحداث وقضايا يتهمك البعض بما لا يجوز ويتهمك آخرون بأنك أحمق تعرض نفسك للخطر في هذا الزمن الذي تراق فيه الدماء كشربة ماء باردة أنا لست ذكيا بما فيه الكفاية للكذب والخداع والمحاباة ولست غبيا أيضا بما فيه الكفاية حتى انضم إلى قافلة الشياطين الخرس فلن يوقف مداد قلمي قول او فعل او مجاملة فسأكتب واغني وأطير ولكني لن أطلق الرصاص أبدا . الحقيقة هي الدواء المر الذي يجب ان يتجرعه الجميع بصبرا وثبات سمعا وقولا لأنه وفي الأخير لا شئ سيوقف سيل الباطل غيرها ، وقول الحقيقة دائما يصاحبه اذى تتنوع أصنافه وألوانه ولهذا السبب لا يستطيع الكثيرون ابتلاعها او حتى شم رائحتها فهم يريدون الأشياء الحلوة وخصوصا السم الحلو من الأكاذيب والتنازلات وان جثوا على إقدامهم وتشققت شفاههم وجاعت بطونهم . كم هي المنكرات ذات الصفة الرسمية التي نراها عبر الشوارع وأينما حطت أعيوننا أزقة مغمورة بالوحل والأوساخ شوارع مشوهة تعج بالمارة تفتقر الى ابسط الحقوق والالتزامات لا تحضى بأي احترام من قبل المواطن نفسه أولا والجهات الرسمية ثانيا ، خدمات عامة تقدم على مراتب ومنازل وفقا لفصيلة الدم وطبيعة النسب ، أموال تهدر فيما لا يفيد وبونا فاحش في الأجور والمرتبات دون مبرر حقيقي ، انتهاك لحرمات المنازل والبيوت بصور مختلفة وحتى المساجد أيضا وسرقة محتوياتها والعبث بالمصاحف والكتب الدينية ، انتشار أعظم فاحشتين اللواط والزنا ، وتفشي أم الخبائث الخمر والمخدرات والحبوب والمسكرات ، وظلم الأبناء والعمال والزوجات ، وأكل حقوق الخدم والأجراء ، والأيتام والفقراء ، تساهل في إنكار المنكر ، وتباطؤ في التواصي بالمعروف ، وتكاسل في النصيحة ، حتى هلك معظم الناس اليوم ، ووقعوا فيما لا تحمد عقباه ..حقيقة امر من المر قيلت وتقال فكثير من الآباء لم تعد لديهم قدرة للتأثير على أبنائهم وبناتهم ، ففقدوا زمام الأمور ، وتركوا الحبل على الغارب ، تنصلوا من أوامر شرعهم ودينهم، فحدثت الجرائم ، وارتكبت العظائم ، فلا للسكوت على ذلك المنكر ، هنا نقطة على سطر يليها الاعتراف بما يجب الاعتراف به من خراب العقول والألباب وتنصلها عن قول الحقيقة في وجه الأبناء والبنات . هناك حقائق بالأرقام وفضائح متوارثة تتنقل بين إدراج المسؤولين في مدينتنا فالأرقام لا تكذب ولكن الكذابون يكتبون أرقاما ، قد يطل علينا بين الفينة والأخرى احد مسؤولينا أو حتى احد مشايخنا وعلمائنا ومثقفينا يطل علينا بكل وقاحة يحاول ينتزع حقائق الباطل التي تشابها في حجمها جبال مدينتنا الكبيرة بكلمات وجمل اقل ما يقال عنها أنها أقبح من القبح فأسوأ الأكاذيب هي الأكاذيب التي نقولها لأنفسنا ونسمعها ممن تعشمنا فيهم الصلاح والخير فإذا كنت تكذب ثم تقول الحقيقة ، سينظر إلي الحق على انه كذبا فلا تكذبون نحن نعيش في إنكار ما نقوم به ، حتى ما نفكر به نفعل ذلك لأننا خائفون نخشى إننا لن نجد الحب ، وعندما نجده نخشى أن نفقده نخشى أنه إذا لم يكن لدينا حب سنكون تعساء .