في ظلِّ ظروف كهذه الوطن بحاجةٍ إلى الشرفاء الذين يدركون معنى الأزمات ومعنى المعاناة. الشرفاء ليسوا جماعة ولا حزباً وليسوا فئة بعينها، الشرفاء هم الذين يتألَّمون على الواقع، وعلى معاناة الناس وصعوبة معيشتهم . فلا يخلو الوطن من الشرفاء ولا يخلو حزبٌ أو جماعةٌ أو فئةٌ من الشرفاء الذين يمثِّلون طوق نجاة بإذن الله لأفراد الشعب من هذه الأزمات المتتالية.
ولكن من هم الشرفاء؟ ومن هو الشريف العفيف؟ الشريف هو ذلك القوي الذي يستعلي على كلِّ رغباته وشهواته لصالح المصلحة العليا للوطن.
الشريف هو ذلك الذكي الحصيف الذي يدرك معنى الإنهيار للدولة وحلول الفوضى والخراب وإنها وبالاً وهلاكاً لا يستثني أحداً. الشريف ليس المريض الذي يفكِّر بعقليَّةٍ حزبيةٍ أو مناطقيّةٍ أو فئويةٍ، ولكن الشريف هو الذي يبحث عن المصلحة العليا للوطن ولايحمل عقدةً من أحدٍ ولا يسعى لشقِّ الصفِّ الوطني، ونشر الفتن والصراع.
الشريف هو الذي يرى الناس بعين المواطنة المتساوية غير منهزماً للنزغات الشيطانية المريضة التي تجعله يقسِّم الناس إلى فئاتٍ حسب نظره وعصبيات فئوية ومراكز إجتماعية وطبقات متفاوتة. الشريف ليس الضعيف الذي لا يقوى على قولِ الحقِّ ولا على إنصاف المظلوم.
الشريف الذي إذا عمل؛ لا يعمل لمصلحة ذاتهِ أو أُسرتهِ أو عشيرتهِ أو قبيلتهِ ومنطقته أو حزبه وجماعته.
الشريف الذي يتعالى ويتسامى فوق التقسيمات المليشياوية التي تقسِّم الدولة إلى حصصٍ وتجعل الأجهزة الأمنية في صورةِ مليشيات. الشرفاء هم الذين يسهرون على أمن المواطن وإستقرار الوطن، وهم الذين لا ترصَّدون الفرص من أجل الإنتقامات وردُّ الثأرات وتصفية الحسابات، وهم الذين يخدمون الوطن من خلال مناصبهم ولايقفون مواقف سلبية في ساعات الحسم. الشرفاء هم الذين يطالبون ويسعون لفرض القانون الذي يتساوى فيهِ الجميع ويُحاسَبُ كلُّ مواطنٍ أجحف بحقِّ وطنه أو مواطن آخر تحت قضاءٍ عادلٍ دون محاباة ولا مزايدات.
الشرفاء لا يطالبون بقانون ألغاب أو بقانون بني إسرائيل؛ والذي إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، وإذا سرق فيهم القوي تركوه لم يقيموا عله الحدَّ.
الشرفاء هم الذين يسعون إلى وأد آلة القتل والإغتيال التي تفتك بأبناء الوطن سواءً كانوا من القوات المسلَّحة والأمن أو حتى من المدنيين.
الشرفاء هم الذين لا يروِّجون للصراع الحزبي ولا الفئوي داخل صفوف الشرعية ولا التحريض عليهِ.
الشرفاء هم الذين لا يصبّون الزيت على النار وتأجيج الصراع التشرذم لا من خلال قناة تليفزيونية ولا صحفٍ مقروءة ولا مواقعٍ إليكترونية؛ بل يعملون على رصِّ الصفوف والتوجُّه نحو الوطن الذي إذا ضاع ضاع الجميع معه، والتجرُّد من المطامع المادية على حساب إثارة الفتنة.
الشرفاء هم الذين لا يرون في المسئولية والمنصب مكسباً ماديّاً ولا ريالات سعودي ولا سيّارة صرف ولا مركزاً يباهي بهِ خصومه ولا مكانة يسعى من خلالها لحصد صور السيلفي في الفيس بوك ساعة وهو يصلي ومرّة وهو يؤدي العمرة ومرة وهو في نزهة. الشرفاء هم الذين يسعون إلى الإرتقاء بهذا الشعب من خلال التوعية الصحيحة التي تسهم في تطوُّره ورفع مستوى ثقافته حتى يدرك مصلحته ومصلحة أولاده ومصلحة وطنه، لا من خلال التوعية ذات الشحن على الكراهية بل ينشر ثقافة تساهم في رقي هذا الشعب ونماء فكره.
الشرفاء هم الذين يهتمون بالمؤسَّسات التعليمية ؛لأن العلم هو صمّام أمان البلدان، والجهل هو سبب خرابها وإنتكاستها وخاصة العلوم الإسلامية من الكتاب والسنة المعتدلة والوسطية والتي تهذِب النفوس وتجعلنا قِمَّة في الأخلاق والأمانة، بالإضافة إلى العلوم التي تستقيم عليها أمور الدنيا وحصول مصالحهم، وليس من خلال الغِشِّ في المؤسَّسات التعليمية وكما حدث أخيراً في إمتحانات الصفِّ التاسع في محافظة عدن؛ وهذه حالات غشٍّ لم تحدث من قبل وفي إشارة واضحة إلى للسعي من أجل التجهيل الذي يشبُّ خراب الأوطان. الشرفاء هم الذين وجب عليهم تلبية نداء الشعب في مطالبته بالدولةِ التي تضمن الحياة الكريمة لكلِّ مواطنٍ أيٍ كان وكيفما كان سواءً بسواءٍ لا فضل فيها لأحدٍ على أحدٍ ، فيها القضاء العادل والفرص المتساوية والكفاءة والحكم الرشيد.
كذلك وجود دولة تمتلك جيشاً قوياً وأمناً قوياً يحمي الدولة ويحمي شرعيتها في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ويحمي مشروعها النهضوي، جيشاً يحترم نفسه وأمن ووظيفته ولا يعمل إلا في إطار دولته وتحت وقيادته التي تسعى لإدارة مصالح الناس والإرتقاء بعقولهم وحياتهم المعيشية وسكينتهم العامّة.
الشرفاء هم الذين يرجون من الله الأجر ويسعون لإقامة الدولة لضمان مستقبل أولادهم ومستقبل الأجيال القادمة.