دعونا نقف أمام تجربة هذا الرجل العظيم الراحل نيلسون روليهلاهلا مانديلا.. الذي عانى كل اصناف الظلم والتعذيب في سجون نظام بريتوريا للفصل العنصري لما يقارب من 28 عاما..لقد كان يسأل نفسه وهو في السجن : كيف سيتعامل مع إرث الماضي المليئ بالظلم والعبودية والاستبداد، ليقيم مكانه العدل.. ؟؟!! وبعد خروجه من السجن وانتصاره على الطغاة لم يفكر على الاطلاق بالانتقام من جلادي الأمس..لأنه كزعيم عظيم رأى ( ان النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف على أطلال الماضي المرير) لقد عارض انصاره من السود، المتعطشين للإنتقام، والذي لو كان حصل لأنجرفت جنوب أفريقيا في أتون حرب أهلية تحرق الاخضر واليابس..
عظمة مانديلا لا تقتصر على كونه مناضلاً ثورياً، بل سياسيا راقيا.. التسامح كان السمه البارزه في سلوكه في الحكم وخارجه، أكد فعلا بأنه رجل دولة عندما ارسى دعائم نظام جديد (عادل) في بلاد الفصل العنصري وحافظ على وحدة وطنه وغرس الحب والوئام بين أبناء شعبه، ليتجهوا جميعاً نحو العمل والبناء والشراكة الوطنية والتبادل السلمي للسلطة، وذلك بعد تجسيد مبادئ التصالح والتسامح الحقيقي في مجتمعه (سلوكاً وممارسة) وقاد بلاده بعقل وحكمة وفطنه سياسيه قلما تجدها في زعماء يخرجون الى الحكم من خلف القضبان، من دون سفك للدماء، وبناء دولة جديدة اساسها العدل، المساواة والتنميه لإخراج شعبه من الظلمات إلى النور.
لهذا ومع الفارق الكبير بين الحالتين دائما نقول ونكرر علينا إغلاق ملفات الماضي الأليم تماماً وعدم الغوص في مستنقعاته، حفاظاً على النسيج الاجتماعي ووحدة الصف الجنوبي، مع الإستفادة من الدروس والعبر والتجارب السابقة، والعمل على إستعادة الثقة ببعضنا البعض والتفكير بالحاضر والمستقبل، بروح وطنية صادقة ومخلصة، بعيداً عن الاحقاد والكراهية والطمع والحسد والتشكيك بنوايا الآخرين، ونؤمن بمبدأ الشراكة الوطنية كأحد أسس الحكم وان الجنوب لكل أبنائه. ونتخلص من الخوف والقلق والاوهام الشيطانية، التي جعلت البعض يشكك بقيادات الثورة الجنوبية وبمستقبل دولة الجنوب القادمة؛ من المرجفين واصحاب المصالح الخاصة، وفاقدي الأمل، بعد انهيار القيم والأخلاق لدى البعض وتفشي الفساد في المجتمع وزراعة الإرهاب بعد وحدة الضم والالحاق، وتحويل مدينة السلام والتعايش الحضاري ( عدن) الى غابه لفرق الموت وأدواته وضيعه للنهب والسلب والإهمال.., ومحاولة تدمير عقل, أخلاق , قيم وإنسانية الجنوبي
فمحاربة هذه الآفات والأمراض والأوبئه التي أصابت البعض من ضعفاء النفوس من الجنوبيين لا التغاضي والسكوت عنها هيى مهمتنا الأساسيه الراهنه تماما كما كان تركيز القائد الراحل مانديلا في اول أيام حكمه على تفكيك إرث النظام السابق عبر التصدي لمؤسسة الفصل العنصري وتعزيز المصالحة العرقيه على طريق مصالحه وطنيه شامله أعادت للمجتمع الجنوب أفريقي لحمته والمساواة والتوئمه المجتمعيه وكذلك محاربة الفقر ووضع أسس صحيحه للتنميه.
إن إعلان عدن التاريخي وتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي هو حدث تاريخي عظيم وانتصار سياسي كبير حققه شعبنا بعد نضال شاق وطويل، كنتاج للتضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا من خيرة رجاله وشبابه في سبيل الحرية والانعتاق من التبعية، والتخلص من الظلم والفساد والإرهاب.
أصبح هذا المجلس معبرا حقيقياً كافيا عن الإرادة الشعبية الجنوبية لتحقيق تطلعاته، بعد تفويضه من قبل الشعب في أكبر مليونية شهدتها عدن يومي 4 و 21 مايو 2017م من كافة محافظات ومناطق الجنوب من المهرة إلى باب المندب. لهذا تقع على عاتقنا جميعاً مهمة الحفاظ على هذا المولود الجديد والالتفاف حوله والعمل معاً بروح الفريق الواحد خلف هذه القيادة المرحلية بقيادة اللواء عيدروس الزبيدي، لنتمكن من انتزاع حق شعبنا المشروع في إستعادة الدولة الجنوبية الجديدة، بعيداً عن الخلافات الجانبيه الثانويه والصراعات الداخلية التي تحاول تغذيتها القوى المعادية للجنوب..!
وعندما ننتقل من المرحلة الثورية التحررية إلى بناء الدولة من حق اي حزب سياسي ان يقدم مشروعة للشعب الذي سيقرر ويختار قياداته الجديدة عبر صناديق الاقتراع والانتخابات الديمقراطية في كافة اقاليم دولة الجنوب دولة النظام والقانون والمؤسسات، دوله يسودها العدل والأمان والمواطنة المتساوية، الخالية من كل أشكال الظلم والفساد. وعندما يتم توزيع السلطة والثروة بالعدل والإنصاف على كافة مناطق الجنوب، ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب وتطبيق النظام والقانون ، ستذوب كل الخلافات وينتهي الصراع المدمر للشعوب كما فعل ماندلا في جنوب أفريقيا. .( العظمة في هذه الحياة ليست في التعثر ولكن في القيام بعد كل مرة نتعثر فيها( مانديلا