جبهة ثرة، مصنع الرجال، وموقع البطولة، وصانعة الملاحم، التي يتكون عددها من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رجال برغم العناء والشدة، والجفاف المادي والعسكري والبشري.. إلا أن ما كان لله بقي واتصل.. صامدون طيلة تلك الفصول، والأزمات.. ثابتون في زمن التقلبات والتلونات.. نذروا أنفسهم لله؛ إما منتصرين أو منتقلين في قوافل الشهداء، وركب الصادقين.. كم عانوا من اللأواء، وواجهوا من التهميش والإهمال، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا.. صمدوا صمود الجبال الراسية التي ألفوها، فاستنسخت الثبات لهم.. صمدوا كأشد ما يمكن أن يصمد الصامدون.. كأقوى من الجبال، وبرؤوس شماء كقمم الرواسي.. لأن لهم أجسادا حركتها قلوب، وقعت وثيقة عهد مع الله، مع رب العالمين، فكانوا مثالا في الصبر، نسخة لا تتكرر إلا لتقادم جيل نبوي، عقدي، فدائي صادق.. كم مر عليهم، فما تضجروا.. كم وجدوا من الخذلان، فما تقهقروا.. كم رماهم العدو ببسالته وجبروته وظلمه، وجيشه وحديده، وظلمه وبغيه.. فما ضعفوا.. كم حاول العدو الداخلي والخارجي، الظاهر والباطن طمسهم ومحوهم، فما اندفنوا، وإن غاصوا في بطن الأرض يوما، نبتوا نبتة جديدة نظيفة، بذورا حية، ترتوي من ماء الكرامة، وتتنفس من هواء الصدق مع الله. مع كل الحصار والإغفال، ومع ما يواجهون من مشقة وعناء، لكنهم كما أكرر وسأكرر: خرجوا لله، وما كان لله بقي واتصل.. عاشوا مع الحرب على طعام الفقراء ، وثياب المساكين، وذخيرة قليلة لا تشفي غليلا، فضلا عن أن تصد عدوا جبارا، وجيشا فتاكا.. أليس هؤلاءِ الشجعان، حماة الحمى، رجال الرجال.. الذين يدافعون عن الدين، ويصنعون الكرامة والإباء.. أليسوا أولى بأموال الداعمين، ومساعدة المنفقين.. ؟! كيف لا؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من جهز غازيا فقد غزا". والأحاديث في هذا كثيرة مشهورة.. أليسوا أحق بتقديم الغالي والنفيس، عرفانا ووفاء، وجزاء لما يقومون به تجاهنا؟ سهروا لننام، مرضوا لنصح، جرحوا ليشفى ألمنا، ماتوا لنحيا.. صبروا لنهنأ بالعيش، تعبوا لنرتاح في دورنا.. تركوا المال والأطفال ومعافسة النساء.. لنعيش في رخاء وهناء، وسلامة وعافية. تالله إني أكتبها عنهم وأنا على يقين كامل بعجزي أن أوفي لهم حقا، أو أنقل كل ما يمكن نقله. تحية لهم تملأ الفضاء الفسيح.. في زمن الرويبضة، والمتخلفين، والطامعين. تحية إجلال وإكبار لهم عدد ما شعروا بالبرد يصقع أجسادا مجاهدة، وغيرهم في لحف ووساد من ريش دافئ. تحية لهم رجال الرجال، وهم يعملون بصمت وسكينة، ولو أخبرهم العالم أنه سيتخلى عنهم لن يزدادوا إلا ثباتا وإقداما.. تحية لهم قيادة، وجنودا، وخبراء، وأنقياء.. ممثلة بالمقاتل الصامت، القريب البعيد، الذي لا يكل ولا يمل من خدمة دينه وبلده، ولا يحب أن يذكره أحد بحرف من ثناء، أو قطعة من مديح -في زمن يستشرف الناس لهذا استشرافا، ويلهثون وراءه بكل ما أوتوا من قوة - تحية للبطل القائدالبطل : طه حسين البوبك. تحية للمقاتلين، للمجاهدين الصادقين الأوفياء، الذين عفوا عن وسخ الدنيا، ومالها الذاهب.. فكانوا لله، ومع الله، ومن أجل الله. إليه وإلا لا تشد الركائب.. وفيه وإلا فالمؤمل خائبُ تحية لهم فردا فردا.. وشكرا لهم يملأ أعداد المنظرين، والصاعدين على جهودهم وتضحياتهم.. شكر الله سعيكم، وصبركم، وثبتكم ،وصان دماءكم، وحفظ أهليكم، وأعادكم منتصرين، عاجلا غير آجل! ثم ماذا؟! ولو أن لي في كل مفرق شعرةٍ لسانا يبثُّ الشكر كنت مقصّرا ..