لن ينسى كاتب التاريخ تسجيل هذه الصفحة السوداء القاتمة في عدن وأخواتها من التسطير سيسجلها بأحرف محفورة بخطوات الزحف نحو مكاتب البريد ومراكز لجان صرف المرتبات وطوابير مخازن توزيع الاغاثة احرف معبأة وممتلئة بمداد ممزوج بعرق الشرفاء من ابناء هذا الشعب العظيم المنتصر الذي يجازى بالإذلال والقهر ، ذاك لانها حالة متفردة في الكون وناذرة الوجود . هل كان انتصار الجنوب في الحرب خطيئة. ? وهل تحرير الارض وإنقاذها من المشروع الايراني وإغلاق الباب امامه ومنعه من التمدد في المنطقة كان جريمة. هل الدماء الزكية التي تخضبت بها شوارع المدن ذابت واختلطت بمياه المجاري ، لقد علقت في كل جدار صورة شهيد او شهادة ببصمة جريح ، هل كل ذلك تبخر وصار سرابا نخجل من ذكره ، أكان الانتصار في عدن وأخواتها مخالفة للسياسات المرسومة من قبل صانعي القرار . لقد كان لتلك التضحيات اثر عظيم في تمكين السلطة الشرعية والتحالف العربي من تنفس الصعداء والظفر بنصر حقيقي سجلته ملاحم البطولات العسكرية بشراكة الدم والسلاح بين الجنوب والخليج ، وانتشى قادة التحالف العربي وقيادة السلطة الشرعية بهذا النصر العظيم وتحرير الارض الجنوبية ودحر الاعداء منها ، ولم ولن يتحقق ذلك آلافي عدن وأخواتها لأغير ، وللوفاء كان ينتظر اهلها بشائر المدد والانتعاش والرخاء فلقد انجزت ما عليها وقدمت قرابينها من دماء وأشلاء وأنقاض وعرق وعناء لم تبخل بشيء تمتلكه الا وقدمته رخيصا في طريق الانتصار ، ثم بماذا تجازى . لم يكن يتوقع احد ابدا هذا الوضع الذي وصلنا اليه من تدهور وتدمر ، عامان بعد الانتصار التصقت فيهما المرارة والحرقة بذكريات الشهداء والجرحى. ورافقت حياة الناس في المدينة المشقة والعناء كادت ان تنسيهم فرحة النصر بالتحرير ، هاهم أهل الصبر قد صبروا كعادتهم صبروا بعد الانتصار حتى تستقيم للسلطة الشرعية امورها وتحملوا الحرمان والجوع فداءا للاستقرار والسكينة والتمسوا العذر والعذر سبعين عذرا ربطوا رجب بشعبان ورمضان بشوال بحبل واحد حول بطونهم وأفواه عيالهم تجرعوا حرارة الشمس ومرارة اليوم والأمس ذهابا وإيابا يلتمسون راتبا لهم او مكرمة او اغاثة جريا خلف التسول بالتوسل دون جدوى ولا بصيرة من الامر ، ليس هناك من يوضح للرأي العام ما هي المشكلة . ? لماذا حياة اللظى والجوع والحرمان حلت بساحتنا بعد الانتصار ... ? لماذا خنق الناس في معيشتهم والتضييق عليهم في كل شي ? من يتكلم مع الناس بشجاعة ويخبرهم بحقيقة ما يجري ? اتبقى حياة الناس وأرزاقهم معطلة ومعرقلة لأسباب لا علاقة لهم بها.يقول القائل. . ان انت اكرمت الكريم ملكته وان انت اكرمت اللئيم تمردا فالكريم الذي وهب روحه ودمه فداءا للأرض والعرض والعهد انت ملكته ان اكرمته. وان اهنته فليس ذلك من شيم الفرسان. فليراجع نفسه كل من لزمه الأمر فإكرام الفارس المنتصر بعد ترجله وتنظيف سيفه من الدماء هو خلق الابطال لمن يعتبر ، اما اهماله وإهانته فهي قباحة وخيانة وسوء تدبير تختلط فيه الفرحة بالحزن والنصر بمرارة الانكسار ، فلتصحح التوجهات ولتعدل الميازين ولتنظر قوى التحالف العربي والسلطة الشرعية بعيون مفتوحة وأذان منصوبة وعقول مستنيرة ولتقدر ثمن النصر الذي تحقق باقل التكاليف اعلى قيمة له هي كرامة المنتصر وطهارة ساحة الانتصار .