بعد أن تمكنوا من مغادرة المدينة المحاصرة التي وقعت تحت سيطرة البغاة والتهبت المدينة بضجيج البنادق وذوي المدافع وهدير الطائرات وهم على حافة النجاة تتأهب الاسرة الكبيرة البالغ تعداد أفرادها العشرة جدةُ ضريرة وأم حامل أوشكت أن تضع وليدها المرتقب ، ينتظرون وصول أول قارب حتى يكونوا من الناجين ، والجموع تتلهف وصول قوارب النجاة حتى يغادروا المدينة المنكوبة ، تلوح في الافق القريب قوارب مقبلة لا خراج النازحين الفارين من الموت الذي أطبق على مدينتهم ترتفع أصوات صغار الاسرة وهم يلوحون بأيديهم الصغيرة صغر أحلامهم بالنجاة وخوض البحر حتى يصلون البر الاخر المقابل لمدينتهم قائلين: ها ، ها ، نحن هنا ، نحن هنا ، اسرعي أيتها القوارب أسرعي .. أسرعي والمدينة تغوص في سراب مظلم رعد المدافع وبرق القذائف الهاوية على منازل السكان والجموع المحتشدة تتنفس الصعداء أن كانوا من الواصلين إلى ميناء المسافرين وتفصح الجدة الضريرة عن فرحتها بقرب النجاة قائلة: الحمد لله أن وصلنا إلى الميناء ، فلم يبقى إلا القليل حتى نغادر المدينة اصطفت قوارب الانقاذ بالقرب من الساحل وبدأت الحشود المجتمعة تتدفق لصعود القوارب والام التي تعاني اّلام المخاض تجر أصغر أولادها وتنادي على الأخرين حتى ينطلقوا إلى القوارب ويحجزون أماكنهم ، يلبي الابناء النداء فهم في شوق لخوض البحر فراراً من الموت الذي يدك البيوت بمن فيها في مدينتهم البحرية التي كانت تنعم بالسلام والامن حتى تعرضت للاجتياح وهم يصرخون بأعلى أصواتهم: اسرعي يا أماه .. لقد حجزنا الاماكن تحاول الام أن تشد من خطواتها وهي تجر الجدة الضريرة نحو القارب ، يتمكن أفراد الأسرة من الجلوس في أماكنهم في القارب ومازالت الحشود المجتمعة تنطلق لأخذ أماكنهم في قوارب النجاة ،ترتسم على وجوه الابناء ملامح الفرحة بالنجاة وتتنفس الأم الصعداء وتطلق تنهيدة طويلة تعبر عن فرحتها بقرب النجاة عند بداية خوضهم البحر، وتسند الجدة الضريرة ظهرها إلى جدار القارب كي تشعر بالراحة بعد فرارها بأحفادها نحو الحياة بعد أن تجاوزوا الموت المحدق بمدينتهم وتبدأ الام تحس بأوجاعها تتضاعف وتشعر بقرب المخاض وبتباشير بزوغ زائرهم الجديد وهي تصرخ: اّ ه اّه والجدة الضريرة تباشر استقبال المولود الجديد يساعدها النسوة اللاتي كنّ معهنّ في القارب ، يبدي ضيفهم رأسه ليطل على الدنيا وهي تستقبله وتودعه في ذات اللحظة أحر استقبال وأفظع توديع ما لبت القرب أن ينطلق حتى تهوي القذائف منكبةً عليه فتتطاير أجزاء القارب في الهواء وأجساد الفارين من الموت الذي لحق بهم بقذائفه إلى ساحل النجاة تناثرت على الماء حتى كست حمرة الدماء وجه الماء ، وعويل من كان باقٍ على الساحل ارتفع من هول المشهد المفجع وتصاعد الأنين والبكاء.