كل دول العالم عبر التاريخ عندما تقع في حرب تشكل حكومات حرب، وتصب اهتمامها وتسخر مقدرات البلاد للمعركة؛ وهذا لم يحدث في اليمن، لأن دول التحالف المشترك تحملت على عاتقها مسؤولة الحرب والإغاثة الغذائية والدوائية للشعب، والإشراف الجزئي على إدارة البلاد.. وفي مثل هذه الحالة كان على الحكومة تركيز كل جهدها على الاقتصاد والتنمية؛ فالقاعدة الاستراتيجية في الصراعات تقول (إنَّ استعادة التحكم بالاقتصاد هي الطريق الأول لتحقيق النصر واستعادة حرية أي دولة).. ولكن هذا لم يحدث أيضاً؛ وتفرغ أعضاء الحكومة للكسب الشخصي، وتخصيص المناصب لنسائهم وأولادهم وبناتهم وأزواج بناتهم، وطلب المساعدات الشخصية من دول التحالف، وطلب المنح الدراسية لأبنائهم.. وعندما تحدث كارثة في اليمن يطلقون المناشدات لدول التحالف لإنقاذ اليمن، وحادثة انهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية أكبر برهان.. والدول لا تبنيها الصدقات والمعونات؛ بل تقضي عليها على المدى البعيد.
ومع شكرنا وتقديرنا لسرعة الاستجابة السعودية بمنح اليمن وديعة المليارين دولار، وحملة الإغاثة لصندوق الملك سلمان بمليار ونصف من المساعدات؛ لكنها لن تنقذ دولة -اليمن- عدد سكانها 28 مليون نسمة.. وتأثيرها الإيجابي سيكون مؤقت؛ لأنها تعالج جانب واحد فقط وَهُو جانب الاستيراد فقط؛ فهذه الوديعة تم تحويلها إلى حسابات المصرف (البنك) المركزي بالخارج، ولم تضخ في السوق كي ترفع عرض العملة الصعبة في مواجهة الطلب المتزايد عليها.. وليس لها تأثير على تحفيظ أو وقف الطلب المتزايد على العملة الصعبة والتي ذكرنا أهمها في المقالين السابقين؛ وهم أكثر من 3 مليون نازح في عدة دول عربية وإسلامية، ونزوح أتباع الرئيس صالح، وخوف المواطن من انهيار العملة، وسعيه للادخار بالعملة الصعبة.
المهمة الرئيسية للوديعة في الحسابات المصرفية في الخارج فتح الاعتمادات المصرفية التجارية الخاصة باستيراد البضائع من الخارج، وعندما تصل البضائع إلى اليمن سوف تباع بالريال اليمني، وينتهي تأثير الوديعة بوصول البضائع إلى السوق وانتهاء مبلغ الوديعة في الحسابات خلال أشهر، والتجار مباشرةً سيقومون بشراء العملة الصعبة من السوق وتعود البلاد لنفس الحفرة.. وقد يستخدم جزء من الوديعة في الحوالات النقدية النظامية، وهي قليلة جداً؛ لأن أغلب الحوالات تتم بطريقة غير نظامية، وعن طريق التهريب، حتى موظفو الدولة يقومون بالتهريب باستخدام جوازاتهم الدبلوماسية وصفاتهم الرسمية.
ولكن لماذا توقف الانهيار الدراماتيكي لسعر العملة المحلية مقابل العملات الصعبة خلال نصف ساعة من الإعلان عن الوديعة..؟ هناك عدة أسباب؛ أولها أن مافيا التلاعب بالعملات ضربت ضربتها، وحققت مكاسب مناسبة، وتوقفت عن التلاعب بالسوق (طبعاً سيكون توقف مؤقت، وسيعودون في فترة لاحقة)، ثانياً؛ انكسرت حالة الهلع عند المواطن، وتولَّدت لديه ثقة شعبية عندما سمعوا أن السعودية قررت إنقاذ العملة، فتوقفوا عن الانجراف وراء شراء العملات الصعبة، ثالثاً؛ عندما سمع التجار بالوديعة، وتوفرت العملة الصعبة في المصرف المركزي توقفوا عن الشراء من السوق السوداء..
وهناك تفاصيل كَثِيرَة نتركها للخبراء المتخصصين في الأمور المالية والصيرفة.
ختاماً أقول؛ إن اليمن في كل يوم يزيد انحداره في جرف الهلاك السحيق، ولن ينقذه إلَّا توقف الحرب وخطة إنقاذ وإعمار مثل خطة مارشل.. أما إذا قرر أصحاب القرار في المنطقة استمرار الحرب فعلى دول التحالف أن تدير اليمن كما تدير دولها؛ وأن تعيد لليمنيين مصادر العملة الصعبة؛ وأولها إدخال اليمن في مجلس التعاون الخليجي في حق العَمَل كما أدخلونا بالرياضة، وكما هم يسعدون بهزيمة منتخباتنا أمام منتخباتهم فليسعدوا بِنَا كعمالة نبي ونعمل في حر الشمس بدلاً من الجنسيات الأخرى.. ثانياً؛ إطلاق جزئي لإعادة إعمار المناطق المحررة، وتأهيل البنية التحتية والخدمات للاستثمار، وتشجيع اليمنيين المستثمرين في دول الخليج على الاستثمار في وطنهم بحماية خليجية من لصوص الحكومة اليمنية.. ثالثاً؛ بناء أجهزة أمنية بإشراف دول التحالف تحقق الأمن للمواطن حتى يعود ال3 مليون نازح، وتأهيل المستشفيات والجامعات ويتوقف تحويل العملات الصعبة إلى الخارج