كتب/ عبد الله جاحب بعد عقود من الزمن حملت الكثير من المتغيرات والأحداث في حياته ليصبح الرجل الذي أختار نهجه وإستراتيجيته لتجعل منه الرجل الجنوبي الذي يصارع للبقاء بين مخالب وأنياب الشمال. ظل يراوغ بين الحنكة والصبر في دهاليز الشمال سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا.. وأضحى الرجل الجنوبي الذي دخل قصور صنعاء واعتبروه فاتح لهم من مشروعات وخفايا وأسرار العبور والوصل إلى غايات في أنفس ساسة الشمال. فبين نظام وحكم وحقبة العائلة وجيش أسرة (صالح) ظل هادي صابرا بين الإخوان وصراع الوصول بقي منصور (هادياً) وفي تغيرات تمدد وانتشار الحوثي من صعدة إلى صنعاء مكث هادي (ساكتاً). كل ذلك جعل من هادي الرجل الذي حمل حقائبه من الجنوب صوب القصر الجمهوري في صنعاء ويكون الرئيس الذي عاش وترعرع بين مخالب وأنياب الشمال واعتلى كرسي القصر الجمهوري ورقص على ثعابين صالح وخبث وخداع الإخوان.
أول رئيس جنوبي وثاني رئيس في اليمن بعد اجتياح صيف 94م أول رئيس جنوبي يخط اسمه في تاريخ الحكم في صفحات التاريخ وثاني رئيس على مستوى اليمن .. ولد هادي في العام 1945 م في قرية ذكين بمديرية الوضيع في محافظة أبين, تخرج من بريطانيا عام 1966م بعد حصوله على منحة دراسية عسكرية للدراسة في بريطانيا. تعلم فيها اللغة الانجليزية ثم عاد في عام 1970م وحصل على منحة دراسية أخرى لدراسة سلاح الدبابات في مصر لمدة ست سنوات أمضى هادي السنوات الأربع التالية في دراسة القيادة العسكرية في الاتحاد السوفيتي، ليشغل بعدها العديد من المناصب في الجنوب. شارك هادي في حرب صيف العام 1994 م وفي مايو أيار 94م صدر قرار تعيينه وزيرا للدفاع ثم نائبا للرئيس في 3 أكتوبر تشرين الأول من نفس العام. عبد ربه منصور هادي هو الرئيس الثاني للجمهورية اليمنية والقائد الأعلى للقوات المسلحة منذ 25 فبراير 2012 م وكان قبلها نائبا للرئيس خلال الفترة 94- إلى 2012 م انتخب رئيسا للبلاد عام 2012 م كمرشح وحيدا جمع عليه حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك. واعتبر هادي أول رئيس جنوبي يقود اليمن وثاني رئيس يتولي تقاليد الحكم بعد صالح الذي احتكر الحكم والمشهد منذ حرب صيف 94 م . وبعد فرض مجلس الأمن عقوبات على الرئيس صالح والذي يرأس حزب المؤتمر وكان هادي قد استخدام صلاحياته كأمين عام للحزب على أغلق قناة اليمن اليوم التابعة لرئيس الحزب صالح وتم إعادة بث القناة بعد ذلك. كان هادي المرشح الوحيد للانتخابات الرئاسية التي جرت في 21 - فبراير 2012 م وأيد ترشيحه كل الأحزاب وذكرت لجنه الانتخابات أن 65% من الناخبين المسجلين شاركوا في الانتخابات أدى هادي اليمين الدستوري أمام البرلمان في 25 فبراير 2012 م وأصبح الجنوبي الأول الذي يدخل القصر الجمهوري رئيسا لليمن في 27 فبراير 2012 م وثاني رئيس لليمن بعد صيف حرب 94 م.
كيف فكفك هادي إمبراطورية الشمال العسكرية كانت من أهم الخطوات التي دارت في مخيلة هادي وكونه يمتلك بعدا عسكريا وأكاديميا في هذا المجال بعد تولي هادي الرئاسة والحكم في 27 من فبراير وتماشيا مع اتفاقية مجلس التعاون الخليجي تولى هادي الحكومة الجديدة وكانت من أهم مهام هادي وأبرزها: إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية ومعالجة مسائل العدالة الانتقالية إجراء حوار وطني شامل تمهيدا الطريق لصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات عام 2014 م . سرعان ما اتضح أن حصانه صالح وأفراد أسرته فضلاً عن شبكة واسعة استطاع من خلالها الاحتفاظ بسلطة كبيرة عاقت الانتقال الحقيقي السلطة خلال العام 2012 م. علق هادي الذي ليس له قاعدة سلطة داخل الخدمات المدنية والأحزاب أو المنشأة العسكرية بين فصيل صالح وفصيل محسن.. ودفعت الاحتجاجات المستمرة هادي إلى إقالة عدد كثير من المقربين من صالح من مناصبهم في الجيش تلا إقالة اثنين من قادة الجيش المقربين من صالح في عام 2012 م قائد القوات الجوية محمد صالح الأحمر وقائد الحرس الخاص طارق محمد عبدالله صالح، وأصدر مرسوما أكثر أهمية من ديسمبر بناء على ذلك. أعاد هادي تنظيم الجيش اليمني في خمس وحدات القوات البرية والجوية والبحرية وحرس الحدود والاحتياط الاستراتيجي، وألغى الحرس الجمهوري بقيادة أحمد علي والفرقة الأولى مدرع بقيادة علي محسن الأحمر واستبدال قائد الأمن المركزي يحيى صالح ابن شقيق صالح. أمر هادي بتشكيل قوات عسكرية جديدة تحت سيطرته المباشرة قوات الحماية الرئاسية. وقد رأى الكثيرون أن تلك الخطوات عمل كثير على تفكيك الترسانة العائلة والجيش والخرسانة والإمبراطورية الأحمرية التي كانت تستحوذ على الحكم وتسيطر على الدولة، وكانت تلك الخطوات التي عمل هادي على تنفيذها بمثابة فتح الطريق أمام الجنوب لتنفس الأصعداء في ظل الاحتكار والهيمنة من قبل صالح وفرقة محسن وسيطرتها على الجنوب قبل الشمال. فكانت خطوات أربكت قوي الصراع في الشمال فكأن هادي الرجل الذي بدأ يفكك القوة والقيادة الشمالية في شمال اليمن.
ما أبرز ما واجه هادي عند انتخاب هادي ودخوله القصر الجمهوري في صنعاء لم يكن الطريق مفروشا بالورد والريحان، بل كان ملغما بالمفخخات السياسية والأحزمة الحزبية وبالتشكيلات العسكرية. فقد وجد هادي يمن ممتلئ بالأوجاع والأوضاع المأساوية، فكان عبارة عن جيش متناثر بين الانتماءات الحزبية والولاء العائلي.. وصراعات من ونزاعات ومؤامرة وتحالفات بين الأجندة الداخلية والأطماع الخارجية فقد كما قال استلم علم وخزينة مالية فارغة وأمن منعدم وفوضى وعشوائية أمنية وكان من أبرز ذلك الأوضاع الاقتصادي وتردي الحياة المعيشية. وكان الوضع الإنساني حرجا أودى إلى عدم الاستقرار السياسي وارتفاع أسعار السلع وزيادة البطالة وجد برنامج الأغذية العالمية التابع للأمم المتحدة عام 2012 م أن أكثر من مليون شخص , 44.5% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي 5 ملايين منهم حالتهم مزمنة. وغير قادرين على الإنتاج أو شراء الغذاء الذي يحتاجونه يعتبر سوء التغذية لدى الأطفال من بين أعلى معدلات في العالم. إذن هناك ما يقارب من نصف الأطفال دون سن الخامسة (مليونين) يعانون من سوء تغذية المزمن وتفاقم معدل الوفيات وارتفاع معدلات البطالة ووفت مركز البحوث الاجتماعية في صنعاء بلغت نسبة البطالة 50% كل تلك الظروف والأزمات وقفت أمام هادي وأدت إلى عرقلة الكثير من الأمور من ضمنها الاقتصاد والجانب الأمني العسكري فقد كان هادي محاطا بالكثير من العقبات من أبرزها الوضع الاقتصادي والسياسي إضافة إلى التعبئة المذهبية الطائفية العنصرية التي غزت المجتمع في تلك الفترة !.
عزل في صنعاء وعاد من عدن فاتحا عزل هادي من منصبة بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء ومحاصرة القصر الجمهوري في 25 يناير 2015 م وقد هادي استقالة في 22 يناير إلى مجلس النواب بعد استقالة الحكومة برئاسة خالد محفوظ بحاح ولم يعقد البرلمان جلسه القبول الاستقالة أو رفضها أعلن الحوثيون عن إعلان دستوري قضي بحل البرلمان ويتولى اللجنة الثورية برئاسة محمد علي الحوثي رئاسة البلاد .
ظل هادي تحت الإقامة الجبرية إلى أن فر من صنعاء إلى عدن في 21 فبراير من نفس العام وأعلن منها سحب استقالة وأصدر بيانا جاء فيه: "إن جميع القرارات التي اتخذت من 21 سبتمبر باطلة ولا شرعية لها، يقصد اتفاق السلم والشراكة. ودعا لانعقاد واجتماع الهيئة الوطنية للحوار في عدن أو تعز حتى خروج الحوثيين من صنعاء، جدد التزامه بالمبادرة الخليجية، مطالبا المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات لحماية العملية السياسية ورفض ما وصفه بالانقلاب. وحاول الحوثيون استهداف هادي من خلال القصف بالطيران الذي ضرب به قصر معاشيق مقر إقامة هادي في عدن ولم يصاب بأذى أو خطر. واجتاح الحوثي وصالح عدن وكان هادي قد قاد عملية التحرير من الرياض وأعلن عن التحالف العربي وتحرير عدن والمناطق الجنوبية وعاد فاتح لليمن من عدن.
بين انقلاب واختطاف هل يخلع الشمال هادي سيطر الحوثيون على صنعاء في 21 سبتمبر 2014م بدئا بتصفية الوحدات العسكرية من الفرقة الأولى مدرع بقيادة علي محسن تحت غطاء قصف مدفعي كثيف وفرقه وحدات مواليه لصالح متمركزة على جبال صنعاء والتوقيع على اتفاق السلم والشراكة. فقد خطف الحوثيون الدولة في صنعاء ومع مرور ثلاث سنوات وهادي مختطف من الحوثي وبين اختطاف الحكومة الشرعية في الرياض حيث أصبح الرجل يرزح بين منظومة من التكبيل والتقييد للقرار والتعيينات السياسي والاقتصادي والدبلوماسي ويقع تحت وطاه الإقامة الجبرية من هرب منها من صنعاءوعدن وتكبل بها في الرياض. وبعد حقبة من الزمن يؤكد كثيرون أن هادي مغيب وغائب تمام منذ فترة من الزمن عن المشهد السياسي والعسكري ومختطف من الإخوان ومقيد من التحالف في الرياض . ويرى كثير من الإعلاميين أن هادي اختطاف منه الدولة في صنعاء من قبل الحوثيين واليوم يشرب كان اختطاف واختراق جديد وفقا لإستراتيجية ومنظومة مدروسة تنبع من داخل مكتبه الرئاسي من قبل الإخوان. اليوم يقف هادي في منعطف أخير بين أعقاب التاريخ السياسي والعسكري ويظل سؤال يردده الكثير والشارع في الشمال والجنوب بعد حقبة زمنية عصيبة.. هل يتحول الفاتح في الشمال إلى مخلوع ؟!!.