من المعلوم و المسلم به حتى عند العامة ان مصطلح الدولة العميقة شاع استخدامه كثيرا و بشكل لافت للانتباه عند قيام ما عرف بثورات الربيع العربي في عدد من الاقطار العربية و منها اليمن متزامنا مع انهيار انظمة الحكم في بعض تلك البلدان و دخول البعض منها في حروب داخلية مستمرة حتى اشعار اخر و اليمن واحدة من هذه البلدان التي تنتحر بالحروب ولكن من قبل ما تنطلق ما عرف بثورات الربيع العربي و منذ أمد غير بعيد رغم ان مصطلح الدولة العميقة هو تعبير سياسي متداول و شائع من قبل و يقال عندما تتعرض منظومة الحكم في بلد ما لأهتزازات واختلالات سياسية وعسكرية قوية تهز بناها و تجعلها على حافة الانهيار و السقوط أذ يبرز هنا تحديدا دور هذه الدولة العميقة والتي وبعد تجارب طويلة مع الحركات المناهضة لها قامت بتطوير وتوسيع دائرة اساليبها وألياتها للأبقاء على قيم منظومتها التي كثيرا ماتكون فاشلة ومعادية لطموحات واحلام السواد الاعظم من الشعب فنجدها في الغالب الأعم تستخدم اليات وادوات هي كثيرا ماتكون بوجه بوليسي استخباراتي دعائي متعدد حتى وأن كانت قذرة عملا بالمبدأ الميكافيلي الشهير الغاية تبرر الوسيله .
تلك حقائق نعيشها اليوم وبوضوح تام في مانعانيه في الجنوب الذي استطاعت فيه الحركة الوطنية الجنوبية منذ انطلاقة حراكها الشعبي السلمي في العام 2007م والارهاصات المبكرة لرفض الجنوبيين لاحتلال ارضهم في عام 1994م فضح النظام اليمني الذي لجأ الى كل أجهزته ومن اللحظة الاولى لاختراق الثورة الشعبية الجنوبية
ماتقدم يفسر لنا ان النظام اليمني ممثلا بدولته العميقة التي تحاول ان تبدو متماسكة وقوية وهي لربما تكون كذلك في المشهد اليمني جنوبا اكثر منه شمالا..
قد يستغرب البعض مثل هذا الاستنتاج الا ان هذه هي الحقيقة وان كانت صادمة .. ان كثيرا ممن يتصدرون المشهد اليوم للاسف الشديد هم ممن عملوا كثيرا على تصفية الدولة الجنوبية تحت مبررات سياسية عقيمة جدا وذلك نفاقا للحاكم القوي المنتصر بعد وحدة 22مايو 1990م التي يسعى هذا الطرف الجنوبي الى اعادة الجنوب وشعب الجنوب اليها بكافة وسائل الخداع وكأن ما مر به الجنوب من مأسي بسبب تلك الوحدة لم يكن!
اعود وأقول ، نعم لقد انهارت الدولة هنا بمنظومة حكمها المدنية والعسكرية فبرزت الدولة الاستخباراتية البوليسية القبلية العشائرية وليست اليمن هي الاستثناء في هذه العبثية السياسية بل هي النموذج الأكثر قبحا من دول عربية كثيرة ..وقد أنعكس ذلك القبح السياسي على العملية السياسية في الجنوب التي ما برحت ترتهن لهيمنة الدولة اليمنية العميقة والتي هي اساسا عقيمة وعقيمة جدا ..
ان معاناة الجنوبيين في هذا الجانب تتحكم فيها ادوات النظام اليمني الذي بلغ اختراقه للحركة الوطنية الجنوبية الى مستوى كثير من القيادات العليا للاسف الشديد ولو كان الوضع غير ذلك لتحركت المياه باتجاه المنحدر الصحيح خاصة بعد أن انتصر الجنوبيون في عاصفة الحزم والعزم الا ان الشواهد تثبت عكس ذلك .
وهنا تحديدا وفي صميم معاناتنا الجنوبية لن اجد ابلغ وأدل على استشراء عمل الدولة العميقة العقيمة مما يفعله الجنوبيون بعضهم ببعض غير مبالين بما هم فيه من تشتت مفتعل مصطنع وازدواجية في القرارات والمواقف وتباينات في الخطاب العام حتى في ادق الهموم والمشاكل ..كل ذلك لم يأت من فراغ بل هو عمل مدروس ومخطط له بعناية في دوائر الدولة اليمنية العميقة العقيمة في صنعاء ومأرب والرياض ودليلي على ذلك ماتم تداوله مؤخرا من منشور لا اعرف ان كان صحيحا او انه مجرد تسريب ويكفي ان نعلم انه قد زعم في ذلك المنشور المشبوه والذي اقل ما يوصف به انه دافعا جديدا للفتنة والتناحر الجنوبي والدفع بوجوه لاحول لها ولاقوة ومحروقة جنوبيا الى الواجهة في تشكيل جنوبي قيل عنه انه جاء كممثل وحيد للجنوب لادارة المفاوضات القادمة بشأن الجنوب مع المبعوث الدولي..هكذا اراد لنا صاحب ذلك المنشور ان نفهم الرسالة و هكذا تعمل الدولة العميقة في خلق المتاعب للجنوبيين كلما لاحت لهم بارقة أمل و بالتأكيد انه قد سبق كل ذلك عدة اختراقات لازال الجسد الجنوبي يعاني منها حتى الان مما يثبت ان الدولة العميقة لم تدخل بعد ثلاجة الموتى كما يتوهم البعض منا ..وكم كنت اتمنى ان الامر يقف عند هذا الحد الا أن تلك الدولة العميقة نجحت ايضا في استدرار التعاطف السياسي المقترن بالخداع السياسي ايضا أذ تلاقت مصالح و اغايات مبتية مع احقاد الماضي ومصالح بعض دول الجوار في اطالة امد المعاناة الجنوبية والى اجل غير مسمى وما الصراع في المهرة وسقطرى الا دليل على ذلك ظاهره اختلافات و باطنه توافق .و الضحية دائما هو الجنوب و قضيته.
لعمري .. ان تلك واحدة من الحقائق المريرة و التي لا تريد النخبة السياسية الجنوبية ان تواجهها في اطروحاتها البينية على مستوى القيادات او للراي العام الجنوبي الذي سأم هذه الحالة ولابد له من الشروع في فتح مسار جديد في المشروع الجنوبي بفكر ورؤى جديدة تمضي بقضيته المصيرية الى تحقيق كامل استحقاقاتها و بلا قيد أو شرط...غير هذا المسلك النضالي فهو عبث سياسي مدان اليوم و ابدا و يخدم تلك الدولة العميقة العقيمة التي نراها و باصرار وقح عبر اذنابها ممن باعوا الجنوب ويتلبسون به كذبا وزيفا و مثل هؤلاء هم من يدير ازمات الجنوب واحدة اثر اخرى من الداخل و الخارج .. انهم كلاب الدولة العميقة و حراسها الأوفياء. .فسحقا لهم. ولا مهادنة مع أمثالهم....