غادر الرئيس صالح السلطة بخيره وشره، وقد يقل قائل انه اقل المستأثرين بأراضي الجنوب واقل المستفيدين من مردود (الفيد) الجنوبي الذي حكم نظرة كثير من الشماليين للجنوب طوال سنوات ما بعد 1994م بوصف الجنوب ارض الفيد، لقد كان صالح مظلة تحمي اللصوص وتحمي مسروقاتهم، وحتى القتل الذي ذهب ضحيته آلاف الشهداء الجنوبيين لم يكن دفاعا عن الوحدة، بوصفها قيمة مقدسة، ولكنه كان دفاعا عن أملاك المستملكين ومجموع المصالح الناشئة عن الفيد، الثابت والمنقول والشركات (السفري) وغير ذلك مما طال حتى مصادر أرزاق الناس في الجنوب. نحن الجنوبيين الذين تعاملنا مع الوحدة بوصفها هدفا مقدسا خال تماما من أي مصالح مباشرة، ونحن الجنوبيين الذين نرى في استعادة دولتنا هدفا مقدسا مرتبط بالعيش الكريم والمواطنة السوية الخاضعة، بالمطلق، للقانون بوصفه السيد والشيخ والقاضي والفندم.
في الطرف الآخر فأن الوحدة لا تعدو عن كونها مكاسب لأشخاص، غير مشروعة في الغالب، يتم الدفاع عنها، بإستخدام أدوات الدولة، عسكر ومال وإعلام وتحت شعار الدفاع عن الوحدة حتى لو أدى ذلك إلى قتل وجرح وسجن وتخوين وتشويه كل من وما ينتمي للجنوب من الناس إلى أسماء الشوارع.
ابلغ دليل على ذلك هو التقرير الشهير الذي عرف ب (تقرير باصره/هلال) الذي لم ير النور حتى اليوم، وقيل يومها أن التقرير وضع صالح أمام خياري الوحدة أو منهوبات (15) شخص، ولا ندري هل يجرؤ ثوار اليوم في صنعاء على إظهار هذا التقرير بتفاصيله؟، أما الدليل الآخر فهو ما تعرضت له الأيام وال باشراحيل من ظلم وتعسف لازال جاثم على الصدور.
واقع الحال أن الثورة في الشمال لم تؤدي إلا إلى إسقاط مظلة فساد رئيسية وستظهر لنا الأيام أن ظلال الفساد كثيرة، أما سلبية من خلال عدم التعاطي مع إعادة المنهوبات أو ايجابية من خلال تمكين هؤلاء اللصوص من أدوات الدولة لاستخدامها في معارك الدفاع عن المنهوبات وخصوصا مع أبناء الجنوب.
أنهم يلبسون رداء الدفاع عن الوحدة حين يريدون قتلنا ويتغطون بحجة أملاك دولة حين يريدون محاججتنا وكأن مفردة أملاك دولة تعني أملاك السلطة، كأفراد وشخوص، ليس لأي جنوبي حق فيها.
الخلل الأكبر الذي يهددنا ليس في نظرة بعض الشماليين إلينا ولكنه يكمن في نظرتنا إلى أنفسنا فقد أصبح كثير من مثقفينا ينافسون حكام صنعاء في توزيع صكوك الوطنية وتهم التخوين والتشكيك إرضاء لهذا الزعيم أو ذاك وهم بذلك يخدمون الخصم بوعي أو بدون وعي فبذرة تفرقة واحدة كفيلة بأن تدمر ما يعجز الخصم عن تدميره بكل قوته.
لا يوجد ما نختلف حوله إذا كنا على العهد الذي بدأنا عليه فعودوا إلى الشارع الجنوبي الذي دفع دماء شهداء وجرحى وسجناء ومشردين وصارت اليوم تتجاذبه الأهواء، فهذا الشارع هو الذي رفع قضيته عاليا وهو الذي رفعكم.
كلنا يدرك ماذا يريد هذا الشارع وعلينا أن نساعد في السبيل إلى تحقيق تطلعاته بكل الوسائل وهو من يقبل أو يرفض الحلول فهو لم يستأذن احد حين خرج ثائرا وهو الباقي ونحن الزائلون.