جعار المدينة النائمة على ضفاف الدلتا الخصيبة أبين, والمحروسة طبيعيا بجبل خفر , والمعطرة بزهور الكاذي وعبق إزهار المريمرة صباحا , المدينة الهادئة المسالمة, يسكنها خليط سكاني متعايش من كل قبائل اليمن شمالا وجنوبا, سكنها الازيود والازبود , والحضارم والشبوانيين والعوالق والعواذل والساده وال يافع واللحوج ومن عدن , أكاد اجزم أنها مدينه متعددة , تربطني بها سنين عجاف تتعدى الثلاثون عاما, لم أرى فيها تباين أو اختلاف ديني أو مذهبي أو قبلي, الكل هنا منهمكا في كسب رزقه ياكلون من خيراتها ويتصاهرون حتى كادوا ان يكونوا واحدا, .... لكن!! وما إدراك مالكن؟ كادت هذه القصة الجميلة إن تنتهي وان على استحيا, بعيد عام أربعه وتسعين, عندما دخل الخبثاء باسم الدين يعبثون بها, ومعها المجتمع كله, عندما كنا نرى المصلين وقد انفصلوا ليؤدوا الصلاة مجموعتين , ماذا قالوا ؟ قالوا !!هؤلاء سنة متهمين الآخرين بالصوفية, ومن هنا بدأت الحكاية... هكذا دخلت الأفاعي باسم الدين!! جعار مدينه متدينة وأهلها متدينون , بها اكبر مسجد من الطراز الحديث ظل شاخصا صامدا واقفا بوجه الرياح العاتية والمتغيرات في السبعينات والثمانينات والتسعينات, مسجد يأوي إليه الجميع متجهين إلى قبله واحده واله واحد ورسول واحد, لكنهم أبو إلا إن يقسموا الناس كما يشاؤن وباسم الدين, حتى حققوا مبتغاهم عبر شباب بعمر الزهور استقطبوهم واستغلوا حاجتهم وذهبوا بهم بعيدا هناك في صعده, وأعادوهم ألينا وقد فرمتوا عقولهم , حتى أنهم غيروا مفاهيمهم وجغرافيتهم وتاريخهم هكذا عنوه, ليقولوا لهم إن فتوحات صلاح الدين الأقصى وبيت المقدس هنا في جعار, وان الناس البسطاء ليسوا بسطاء, بل أنهم قد تقمصوا صور بني إسرائيل, وإلا كيف يعلنوا الجهاد هنا, في جعار المدينة المسلمة المسالمة .؟ تفجع جعار بالأمس القريب أنها قد استقبلت شمس ذالكم النهار وقد زفت إلى عريس غريب لا تعرفه , بل زادوا إن من زفها أشخاص غربا لا تعلم من هم ؟ أو كيف أتوا إلى هنا' ؟ وقد علقت على جدران بيوتها ألواح الأحكام العرفية, وقد طلب من سكانها السمع والطاعة, أو إخلا بيوتهم إن أرادوا, وان يعيدوا عقارب الساعة والزمن وربما التاريخ, إلى يثرب والحجاز, ومبايعة ولي الأمر وخليفة المسلمين, وان يستعدوا للفتوحات الإسلامية , كابوس استمر عام و ونيف, شيئا رهيبا لم يشهده سكانها الوسطيين الطيبون المسالمون من قبل أبدا.
بالأمس تتنفس جعار الصعداء بعد خروج الأوصياء الجدد رغم الجراح والخدش الذي أصاب حسنها , وإنها ربما لم تعد كما كانت , إلا وهناك من يذكرها مأساتها وحزنها, بانفجار لم يشهده أبنائها على مر التاريخ, أشلاء وموت جماعي ودماء, شي مفزع ومخيف ولا أنساني ولا أخلاقي ينتهك حرمة الله في رمضان الكريم, دون أدنى إحساس أو مشاعر, مخلفا عشرات القتلى والجرحى, ليكتشف سكانها أنهم مهمشون مع سبق الإصرار, والترصد!! حادثه جعار تعيد إلى الأذهان حادثه سبعة أكتوبر في العام الماضي, هناك في الطرف الأخر من الضفة الغربية لوادي بنا حيث قتل المئات غدرا, وبهتاننا وبدم مثلج, لم يحرك احد ساكنا وكأن من ماتوا ليسوا بشرا يشبهون من يموتون في صنعاء, وفي تعز وفي غيرها من مناطق الشمال, والتي ينوح عليهم رجالات الدولة وإعلاميها, وتنهمر على ذويهم المساعدات والملايين المجندلة من كل الجهات الرسمية وغير الرسمية , وأبناء أبين السابقون واللاحقون يجب ان ينتظروا لجان القفلة كي يأتوا ليفحصوا الدماء المسكوبة ان كانت دما او مياه حمرا متسخة !! اللهم إني صائم انه لمن المستغرب جدا ان تتعامل الجهات الرسمية والتي تدعي الوحدوية والمساواة والجمهورية والتغيير بهذا البرود مع ما يحصل لأبنا أبين في أحداث الأمس واليوم وكأنما شي لم يكن, وكان الحادث الذي وقع إنما حادث سير اعتيادي في نقطه تقاطع مزدحم, بينما تقوم الدنيا ولم تقعد ان هناك انفجار في سوق شميلة لم يخلف قتلى, أي شي هذا ؟هل هذا هروب من المسؤولية ام انه هروب من الواقع؟ أم انه شيئا أخر سيضاف بكل نتائجه إلى القنبلة الموقوتة , وان هناك عملاق نائم يحرسها سيجمع أشلائها ليستعيد أمجاد الخنفري الحميدي. خاص ل"عدن الغد" : اختير هذا المقال للنشر في الصفحة الاخيرة من عدد الصحيفة الورقي الثلاثاء 7 اغسطس 2012