لعلَّ الجميع يعلم أن جمال خاشقجي –رحمة الله عليه- كان من أكثر المُؤيدين لعاصفة الحزم، في بداية انطلاقتها قبل نحو أربع سنوات، مِثله في ذلك مِثْل غالبية اليمنيين، الذين أيدوا تلك العاصفة في بداية الأمر، ظناً منهم بأنها جاءت فِعلاً لحمايتهم من بطش الانقلابيين، الذين أسقطوا الدولة واستولوا على مؤسساتها بقوة السلاح، لكن الجميع أدرك بعد ذلك أن المملكة العربية السعودية لم تكن تملك أي رؤية حيال تلك الحرب، وأنها لا تعدُوا عن كونها واحدة من الحماقات الكثيرة، التي ارتكبها الأمير الطائش والمغرور، ودفَع اليمنيون ثمنها غالياً ولا يزالون. كان الراحل جمال خاشقجي قد كتَب قبل وفاته بأيام قلائل، رسالة إلى الناشطة الحُقوقية اليمنية، الحائزة على جائزة نوبل، توكل كرمان، والتي أعادت نشرها على حسابها في تويتر بتاريخ 16 أكتوبر/ تشرين أول الجاري، جاء فيها ما نصُّه: "اختي الفاضلة.. السلام عليكم، إلحاقا بحديثنا البارحة، أرجو أن تحتملي صراحتي، اليمن مليء بسياسيين، وعندما تُصبِحين سياسية غاضبة فانتِ تَنْضمِّين لطابور طويل، ولكن قُوتك وتميُّزك هو أنك الوحيدة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، لذلك اقترحتُ عليكِ البارحة ان تقودي حملة "أوقفوا الحرب، أوقفوا الانقلاب، أوقفوا الموت والجوع". سوف تجدين أنصاراً حول العالم وداخل اليمن، ولكنَّ هذا يحتاج تقديم توكل كرمان المُحبة للسلام، البعيدة عن السياسة وتفاصيلها، رغم أن دعوتَك هذه هي أم وأب السياسة. مُستعد أن أخدمك بهذه الدعوة، مَحبة لوطني ولليمن وكليهما وطن لي". .. انتهت رسالة جمال. يبدو جلياً من خلال تلك الرسالة، أن طُول أمد الحرب في اليمن، وانحرافها عن مسارها وأهدافها المُعلنة، وبخاصة بعد سيطرة الأمير محمد بن سلمان على مقاليد الحكم في المملكة، كانت موْضُوعاً يشغَل بال جَمال طوال الوقت، وهو ما كان قد تطرق إليه بالعديد من مقالاته في الواشنطن بوست، خلال الشهور التي سبقت اغتياله، كما أنه كان يبدُو مُتضايقاً من مسألة اندفاع الأمير-المُحْدَث في عالم السياسة ودهاليزها- لعقد علاقات وصداقات مشبوهة، مع الرئيس الأمريكي ترامب وصهره كُوشنر، تغلبُ عليها المصالح الشخصية، ثم المبالغة بعقد صفقات الأسلحة مع الأمريكيين، تلك التي أساءت كثيراً لسُمعة المملكة، خُصُوصاً عندما كان الراحل يراها تتجه صوب أشقاءه في اليمن، فدمَّرت بلدهم وقتلت نساءهم وأطفالهم، فيما يُشبه استعرض العضلات أمام العالم ليس أكثر. السيدة توكل كرمان قد أخذت –بالتأكيد- هذه الرسالة كوصية هامة، من الراحل جمال خاشقجي، تجاه إخوته وأشقاءه في اليمن، وسيتوجب عليها البدء بتنفيذها، وباعتقادي فهذا هو الوقت المُناسب لفعل ذلك، خُصوصاً وأن الجانب الرسمي اليمني ممثلاً بالرئيس هادي والحكومة اليمنية وقادة الأحزاب السياسية، كُلهم في حالة شلل تام، وعاجزين عن القيام بأي فعل، بعد أن وضَعهم محمد بن سلمان داخل سجن كبير، فأصبحوا بلا حول ولا قوة، الأمر الذي يُحتم على كافة الإعلاميين والنشطاء السياسيين اليمنيين، وكل من يتمتعون بالاستقلالية والقدرة على التأثير، بأن يلتقطوا هذه اللحظة الهامة، للعمل بكل ما من شأنه الضغط على الجانب السعودي لإنهاء حصاره الجائر على اليمن منذُ أربع سنوات وإنهاء الحرب، التي لم يجنِ منها اليمنيون سوى مزيد من الخراب والدمار لبلدهم. تشكيل وفد يمني برآسة السيدة توكل كرمان، يضم إعلاميين ونشطاء وحُقوقيين يمنيين، والتوجه إلى تركيا لمخاطبة المسئولين الأتراك، والتقدم إليهم بطلب وضع ملف الحرب في اليمن، جنباً إلى جنب مع ملف فك الحصا عن قطر، في أي حوارات أو صفقات قادمة، من شأنها الضغط على الجانب السعودي والأمريكي، بخصوص قضية جمال خاشقجي، سيكون له بالغ الأثر –باعتقادي- في تغيير مسار الأحداث الدائرة في اليمن، ولربما فك الحصار عنها وإنهاء الحرب في القريب العاجل، خُصوصاً إذا ما أدت كل تلك الضغوط التركية والأمريكية، إلى إحداث تغيير جوهري داخل بُنية النظام الملكي السعودي، وبمقدمة ذلك عزل الأمير الطائش، الذي بسببه ضاعت هيبة المملكة، وفقدت احترام شعوب المنطقة والعالم أجمع.