أشرقت يَوم الجُمعة بِصباحِها تَحمل رسالة ربانية مَوعودة بإصابة شَخصًا جَلل عَلينا, فتلقينا مكالمة عَصر ذَلِك اليوم لم تَدوم أكثر مِن 59 ثانية تُخبرنا بأن "المُحيي والمُميت أخذ أمانته - أبي - ونقلها من الأرض الدُنيا إلى السَماءِ العُليا" نَحتسبِه, بِرحمة مِنه وغُفران. كانت صَدمة شديدة جِدًّا لم أتوقعها - فَ حينَها - أنحبست أنفاسي, وسَقط كِبريائي بإنذراف دُموعي, وتشتت بالي, واسترجعت ذاكرتي أحداثًا لا يُمكنني نيسيانُها. قُرِب وَقت المَغيب من يوم الثالث عَشِر من ديسمبر المشؤوم, شاهدت أخر شَفق لِشمس يومي آنذاك وأنا يَعتصرني الحنين إلى فَقيدي. فَتهاوت إلي الكَثير من الأقرباء والأصدقاء والزملاء وآخرين يُقدمون إلي واجب العزاء والمواساة, كُنت آنذاك فاقِدًا لِذهني, فَلا أدري ماذا يَقولوا لي ولا أستَطيع أن أرد عَليهم مِن هَول الصَدمة بِوفاة أغلى ما أملِك وَهو أبي الحبيب. من هَو أبي ؟ أبي.. هو الذي عَلمني الكَثير من الذكاء الحِكمي. أبي.. هو الذي عَلمني الكَثير من الأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية. أبي.. هو الذي عَلمني أن لا إهتمام إلا بالتعليم ولا نَجاحًا إلا بِه. أبي.. هو الذي عَلمني أن أساعد المُحتاج بِما يُريد, وبِما أستطيع أن اقُدِمه. أبي.. هو الذي عَلمني أني إذا كُنت أريد شيئًا فَيجب فيجب على السعي إليه, لأنه لن ياتي إليك أبدًا وأنت ساكِنًا في مَحلِك. أبي.. هو الذي عَلمني الكَثير والكَثير من نَصائحِه وتَصرفاته. أبي.. هو الشخص الذي تَحدثت أعمالِه العظيمَة عَنه, قبل أن يَتحدث. مَرت خَمسَة سَنوات, وكأنها خَمسَة أيام على يَومِ وفاتِه, فلا زِلت أتذكر كُل لَحظة عشتها معه وعشتها بِيوم فُراقِه المَشؤوم. تَدون ماالذي جعلني سَعيدًا, بالأمر ذاتِه ؟ هو إنهُ من قَبَلَك, وطَهَرك, وصَلَ عَليك, وشَيعك, ودَفنك, وَعَز فيك, يَثنون بِك وباخلاقك وباعمالِك العظيمة التي تركت فيها بَصمة يُخلدها الزمان والمكان. فَعددهم لَم يُحصى, وحُزنِهم لم يَخون, فَرحلات سَفرهم القريبة والبعيدة وقُدومِهم لمشاركة واجب العزاء والمواساة لم تُكذب, وتُراب أرض المقبرة يَشهَدُ. عُزي فيك الصَغير والكَبير, والرِجال والنِساء, والغني والفَقير, والشيوخ والأعيان, والمدير والرئيس. رَحلت عَنا يَوم الجُمعة.. أطيب أيام الأسبوع وأطهرها. رَحلت عَنا يَوم الجُمعة.. بعد قراءتك للقرآن وحُضورك للِخطبة والصلاة. رَحلت عَنا يَوم الجُمعة.. بَعد تَشييع ودَفن إحدى أصدقائك وزملائك بالعمل. رَحلت عنا يَوم الجُمعة.. وكانت آخر كَلِماتِك الشَهادة وذِكر اللّه. وَرُغم كُل ما حَدث, فإنني أفتخر بِك ي أبي الحبيب عِندما أسمع حَديث الآخرين عَنك وهم يَتحدثون بِحُسن أخلاقك وعظيم أعمالك وطيبة تَصرفاتِك. وَداعًا يَ أبي الحبيب, بِوعدًا مِن إبنك بأن يَخطو خَطواتِك في هَذِه الحياة, ل يَحظى بِما حُظيت بِه بَعد رَحيلك.