من قلب الحدث ،وأنا على رصيف الساحة، ومن بين الحشود الغفيرة ، وعلى ترانيم الشعارات والهتافات التي أرجفت أركان الساحة ،وما إن وضعت قلمي على دفتري إلا وصحوة الجماهيروأهازيجهم تحرك قلمي وتُلهمني جملة من الحقائق والأمور.. لم يكن تصالحاً وتسامحاً مجرداً من المغزى السياسي ، كما يردد البعض أنه تصالح ديني أوتصالح بين نظام الشمال وشعب الجنوب, بل كانت أعلام دولة الجنوب حاضرة ترفرف على أواتارالحناجر في كل ثانية ولحظة.. وتهتف بلادي بلادي بلادي الجنوب وجمهورية عاصمتها عدن في كل الساحة وفي جميع ساحات التصالح والتسامح..
و لم يكن تصالحاً وتسامحاً مجرداً من البعد العاطفي والأخوي لأبناءالشعب الواحد ، بل كانت العيون رقراقه والعبرات تحشرج في الصدور عند استقبال كل الضيوف ..وكُلُها حنين وشوق لإخوة الأرض ورفقاء الدرب..
ولم يكن تصالحاً وتسامحاً مجرداً من التلاحم الاجتماعي والشعبي، بل كان كل المجتمع الجنوبي (الشعب) هو من يصنع الحدث بنفسه معتمداً على الله ثم رجاله الأوفياء (لا أيرن ولا الخليج ولا مراكز القوى في صنعاء هي من صنعت ذلك)..وبرغم من العقبات التي وضعت في طريق المليونيات ، والإشاعت الكاذبة التي سُربت عنها ، ومطابخ الكيد والفتن للوقيعة بين الجنوبيين..إلا أن إرادة الشعب لاتقهر، فأقام الشعب مليونيته وحقق أهدافه وانتصر، وجادَ بأجمل ما عنده من تضحيات وكرم ، مظهراً نفسه في أروع ثقافة معاصره تشهدها المنطقة ..
ولم يكن تصالحاً وتسامحاً مجرداً من مقاصد الإسلام الحنيف اوبعيداً عنها، بل كان متناغم ومنسجماً مع غاياته .. لما فيه من إحقاق الحق وتحريم الظلم وإصلاح ذات البين ونشر قيم العفو والصفح بين كل من زلة اقدامهم بالأمس .
ولم يكن تصالحاً وتسامحاً بعيداً عن التألق الإعلامي ، بل هذه المرة كسرحاجز الطوق الذي فرض عليه منذ زمن .., ورغم الكيد الذي أبداه مراسلي صنعاء في التلاعب بالألفاظ واقتضاب الحدث والتقليل من شأنه ,إلا أنه بقدرة العلي القديرخرج إلى كل شاشات العالم ، جاعلاً صنّاع القرار في صنعاء في لاحولة ولاقوة, وأجبر الكبارقبل الصغارفي الاقليم وغيره لتّفاعل مع القضية طوعاً أو كرهاً.
ومن أعظم الأهداف في نظري التي حققتها الحشود الهائلة في مليونية عدن والمكلا (التي كانت حشودها تضاهي مليونيات ميدان التحرير والاسكندرية في مصر)،هو تسجيل ميثاق شرف شعبي(جديد) وإجماع وطني عريض وعهداً بالغ الأهمية، على أن الأمر قد حسم شعبياً بشأن إستعادة الدولة الجنوبية ، وهذا يلزم جميع المكونات الجنوبية بكل أطيافها وأشكالها بتبني إرادة شعبها وأن تعمل على إنجاز مشروعه في (إستعادة الدولة) ،وأن الخروج عليه يعتبر جرماً في حق هذا الشعب وتزويراً لإرادته وإستخفافاً بدماء شهدائه يستدعي عدم السكوت عليه.
*رئيس منظمة عدن الدولية gmail.com@mkzar2013 22/1/2012