كانت ساعة (الملعب) تشير إلى إنتهاء وقت المباراة الأصلي !! ، من على خط التماس رمقت الحكم الرابع رافعا يديه يلوح بلائحته ، بأن الوقت كبدل (ضائع) هو دقيقتين فقط ..!! التعادل (سلبيا) كان سيد الموقف ، لم يتمكن اللاعبين من خدش الشباك .. الأعصاب مشدودة !! .. الانظار مشدوهة !! .. الأنفاس متزاحمة !! .. حتى أن الجهاز الفني لمنتخبنا قد ترك مقاعد البدلاء خالية وامتثل الوقوف على اقدامه !! كل من كان على عارضة دكة الاحتياط (تقريبا) قد انتفض من مكانه ونهض متسمرا يرقب الانفاس المفصلية للمباراة (الصعيبة) ، وليس ببعيد فدكة بدلاء منتخب الخصم أيضا لايبعد (وضعها) عنا كثيرا .. شد مسمعي في لحظات (العسر) تلك ، هدير جماهير تلهج بشغف ، تهتف ، تشجع ، تصرخ باسامينا ، اصواتها كانت جرعات شحن تتعالى من حين لآخر مع كل هجمة ولعبة خطرة !! مع أي تناقل بالكرة او فاصل مهاري (فردي) ، جميع من في المدرجات بانقسام لونيها كان مستمتع بأجواء تسعين دقيقة مشحونة انقضت بالرغم من نتيجتها العقيمة !! وكان يمني النفس بمشهد ختامي (بهيج) ، يكتب سيناريو نهائي لفصول القصة ، بهدف حاسم في المباراة ، يضع احد طرفيها بطلا متوجا ، وعريسا يحتفل به . كل ما كان يجول في نفسي (وقتها) وسط أرضية المستطيل الأخضر ، وانا ارتدي فانيلة منتخب بلادي وجسدي ممتزج بالوانه !! هي مشاعر (فخر) فياضة برفعي اسمه عاليا !! كنت أجري بحماسة عظيمة ، بجد واجتهاد ، يرافقني أمل صناعة فارق ينقش لي مكانتي الخاصة ، لأسمي ووطني ، بالرغم من أن واقعنا (المعيشي) كمواطنين قبل أن نكون (لاعبين) قد اكلت منه (المعاناة) ما اكلت ، ولامسه التردي والقصور من أوسع أبوابه وأسوأ صوره ، كبلد مغلوب على امرة !! تعتصره أحداث سيئة من كل حدب وصوب ( حروب ، أزمات إقتصادية ، صراعات سياسية بائسة ، رياضة تعيسة ، شخصيات قيادية منبطحة بأفكار ضحلة ) ، إلا أن (الطموح) كان صديقنا الذي نسعد بصحبته ، ويحتوينا متى ما احتجناه في ترحالنا ، وهو ما أخذ بأيدينا لنصل إلى ماوصلنا اليه .. في مخيلتي كنت على علم وانا اطالع الكم الهائل من المسؤولين ، وعدد الوزراء الموجودين في منصة كبار الشخصيات لحضور لقاءنا الختامي ، و الذين سرعان ماتوافدوا من مساكنهم في دول الجوار لمرافقتنا بمجرد ان تمكنا من تجاوز مراحل المنافسة !! ان لا خير في أحد منهم !! ووجودهم لا يعد كونه ظهور لالتقاط صور فلاشية ، وركوب موجه النجاح كحال واقع البلد في كل مجالاته !! ومع ان وقع ذلك كان مؤلما للنفس قبل الجسد الا أنه (أيضا) لم يكن حجر عثرة في طريقنا ، ولم يثنينا ، فأمامنا هدف نسعى لتحقيقه .. مرت ثوان كأنها ساعات طويلة ، كان الوقت قد دخل رمقة الاخير ، ومعه زاد ضغط المنافسة والالتحامات واحتدم الصراع على خطف الكرة ، ومن بين تلك الوضعيات المتقلبه وصلت كرة متدحرجة إلى قدمي على خط مرمى الخصم ، كانت اللعبة سريعة جدا ، من تمريرة بينية مباغتة في لحظة تراخي وتراجع للمدافعين ، الذين بدأت ملامح الاعياء والتعب ظاهرة في تفاصيل وجوههم .. كنت أدرك في قرار نفسي إنها خطوتي المرجوة وفرصتي المأمولة للتسجيل وتحقيق ما كنت اطمح إليه ، فقد كانت تنتظرنا أماني إسعاد شعب (بائس) يعيش حزنه يوميا بيديه ويفتقد للابتسامة البسيطة ، وهي فرصة على طبق لحسم النتيجة ، لن تأت لي مرة ثانية !! خصمنا عنيد جدا !! و لاعبيه على قدر عال من الموهبة والقيمة الفنية الاحترافية ، كيف لا.. !؟ فمن يتقدمهم كان الغدار نيمار ، وبجانبة خيسوس و فيرمينو ، ومن خلفهم الدبابة كاسيميرو وفيرناندينيو ، والممتع فليب كوتينيو مع المجنون ويليام ، وفي المؤخرة الصخرة تياغو سيلفا ، ميراندا ، والمهبول داني الفيس ، ويحميهم في الشبكة العملاق اليسون بيكر .. نعم البرازيل !! منتخب السامبا أسياد كرة القدم !! ونحن في المباراة النهائية لكأس العالم .. أصعب لحظاتي كانت عندما تقدمت وراوغت أحد المدافعين ، واقتربت من المرمى اكثر واكثر وهممت بالتسديد وتسجيل الهدف ، مشاعري في تلك الجزئية اختلطت !! احساسي تجمد !! الادريناليين بلغ حده ومستواه !! صمت مطبق وعارم رغم الضجيج الصاخب !! جل تفكيري انصب في أن الكرة ستدخل الشباك حتما وسأذهب لاحتفل مثلما اريد !! .. أجزاء من الثانية.. لم أدرك شيء !! إلا وجسدي ملقا على الأرض ونظراتي متبعثرة ، الصيحات تتهاوى ... فقد تعرضت للاعاقة بتدخل من الخلف في محاولة منعي من التهديف!! ، والحكم دون تردد انطلق للمنطقة (المحرمة) واعلن عن ركلة جزاء ورفع الكارت الأحمر لمتسبب الإعاقة - يالله !! ركلة جزاء وفي هذا التوقيت تعني النهاية والختام .. نعم الفوز بالكأس !!! - ياله من حظ فريد !! .. زملائي اسرعوا نحوي فرحين ، دكة البدلاء تنططت سعادة وصخبا ، حلمنا العظيم اقترب ..!! بالطبع كنت فرحا مثل البقية واصريت على أن أكون منفذها ، فقد تسببت فيها وهي من نصيبي !! ولان مدربي مؤمن بإمكانياتي وقدراتي أشار لي مباشرة بأن اقوم بها وافعلها .. وضعت كرتي في موضعها بعد أن قبلتها بشفتاي ، تحسست زوايا المرمى بعيني وشممت رائحة شباكه التي بالتأكيد سأسكن كرتي فيها ، الوقت (البديل) كان قد انتهى تماما ، والحكم ناظر ساعتة مرارا وكأنه يخبرني انه بمجرد تنفيذها سيطلق بعدها صافرته !! .. دقات قلبي تسارعت جدا ، انفاسي ضاقت ، ضغطي ارتفع ، اعصابي مشدودة ، العرق يتصبب مني بغزارة ، كل ما اتذكره في ذاك الموقف أن المدرب كان يصرخ بصوت جهوري : ياسامر شوووووت سدد !! زملائي شوووووت !! الجماهير شووووت !! الكل شوووووت !! أخذت خطوتي وهرولت مندفعا ، فشت الكرة حتى تقطعت (البطانية) من قوة التسديدة !! طيرت بالمخدة اللي بجانبي ، على صيحات والدي حفظة الله : قوووم قووووم يابني اشتغلتنا زباط ، قد (الكهرباء) طفت اول وانت عادك راقد تزابط ، قم شغل (الماطور) بس قد كلك عرق ، وشي عاد طبرت (للبترول) اليوم او لا !؟ ، شوفنا بنجلس في الحمى بسببك .. بس خلاص