اليمنيون يحيون ذكرى استشهاد الأمام الحسين عليه السلام    تفاصيل اجتماع قبائل سيبان لطرد مسلحي "بن حبريش" من أرض العصارنة (بيان)    المجاعة تطرق الأبواب: الفساد والانهيار يدفعان البلاد نحو الكارثة    تعز: شرطة مديرية ماوية تلقي القبض على متهم بالقتل    حمى يا بابا... ويل للملاعين من عذاب طفل حرمه الخوف من الظلام وشدة الحر من النوم    22 يوليو انطلاق المؤتمر الطبي السابع لطب الانسنان في جامعة سبأ    دراما اللحظات الأخيرة.. الريال يعبر دورتموند ويصطدم بسان جيرمان    أرسنال الإنجليزي يضم الدولي الإسباني مارتن زوبيمندي    الإتحاد اليمني لكرة القدم يعيد تعيين قيس صالح مدربا لمنتخب الناشئين    الارصاد يتوقع استمرار هطول الرعدية متفاوتة الشدة    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تكساس إلى 50 شخصا    وزير الشؤون الاجتماعية يدشن ورشة تنسيقية لمشروع توزيع 600 الف سلة غذائية    بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة.. الزهري والسقاف يطلعان على سير الأعمال الإنشائية بمشروع بناء المستشفى الحديث بخور مكسر    قاضٍ وبرلماني يمني لا يجد طعامًا في نيويورك … ومسؤولوه يتقاضون آلاف الدولارات شهريا..!    وزير الشباب يُدشِّن المرحلة ال4 من دورات "طوفان الأقصى" لموظفي الوزارة والجهات التابعة    مليار و849 مليون ريال فائض الميزان التجاري لسلطنة عُمان    اجتماع برئاسة وزير الصحة يناقش خطة الوزارة للعام 1447ه    السيد القائد يؤكد أهمية احياء ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام    نار الأسعار بعدن تجبر المواطنين على ترك وجبة شعبية شهيرة    اختتام ناجح لفعاليات الدورة الآسيوية (C) لمدرّبي كرة القدم بساحل حضرموت    بولينج عدن يُكرم الخليفي بمناسبة فوزه برئاسة الاتحاد العربي للسباحة والألعاب المائية    مدير عام المنصورة يدشن أعمال فرش الطبقة الأسفلتية بمشروع إعادة تأهيل شارع الخمسين    ريال مدريد يتصدر قائمة أرباح مونديال الأندية    حوار في مقهى الحوطة: مواقف وآراء حول المجلس الانتقالي    الصلابي ينعى الشيخ حنتوس: فقدنا أحد أبرز معلمي القرآن بعد أن طالته العصابات الحوثية الغادرة    من الظلام إلى النور.. #الإمارات تقود شبوة نحو فجر تنموي جديد    الحشود تتوافد الى ساحات احياء ذكرى عاشوراء بصنعاء والمحافظات    مناقشة آلية انشاء وتشكيل جمعيات تعاونية زراعية في مدينة البيضاء    استهداف مطار اللد في منطقة "يافا" المحتلة    بالفوز ال 100.. ديكوفيتش يواصل رحلة ويمبلدون    مواطن يسلم وزارة الثقافة قطعة أثرية نادرة    مخطط سلطان البركاني يسقط تحت اقدام شعب الجنوب    خدمة للصهاينة..ضغوط أمريكية على "حزب الله" لتسليم سلاحه    ماسك يعلن تأسيس حزب سياسي    تقرير: انقسام معسكر الشرعية يعزز فرص تعافي الحوثيين    عاشوراء.. يوم التضحية والفداء    الجنوب وحضرموت بين الذاكرة والهوية    مسئول حضرمي يرفع دعوى قضائية على فرقة مسرحية لتطرقها للمعيشة المتدهورة    عدن على وشك الانفجار .. دعوات لثورة ضد الفساد    اليمن و الموساد "تقارير و مصادر"    انتقالي غيل باوزير يبحث سبل تحسين القطاع الصحي بالمديرية خلال لقاء موسّع بالجهات المختصة    ابين .. قبليون يحتجزون مقطورات وصهاريج وقود ومخاوف من ازمة غاز في عدن    اسرائيل تقرر ارسال وفد تفاوضي إلى الدوحة بشأن وقف النار في غزة    وفاة شابين في حادثتي غرق واختناق بعدن    "وثيقة" .. تعميم أمني جديد بشأن قاعات المناسبات    انطلاق أعمال لجنة تحكيم مسابقة "أمير الشعراء" في عدن برعاية إماراتية    غزة تجدد دروس ثورة الامام الحسين    وفاة مواطن غرقا وآخر اختناقا بعادم مولد كهربائي في عدن    كشف ملامح وجه كاهنة مصرية قبل 2800 عام    - رصيف الهموم يُشعل مواقع التواصل: فواز التعكري يجسد معاناة اليمنيين برؤية فنية موجعة    عدن تستحق أن تُعرف... وأن يُعرّف بها!    ساير الوضع    ساير الوضع    فان غوخ همدان: حين تخذل البلاد عبقريًا    الوكالة البريطانية للأمن الصحي: انتشار متحور كوفيد الجديد "ستراتوس"    الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك "أحيا الصلاة" بعد إماتتها وقمع الطاغية الحجاج بن يوسف    وفاة أسترالي نتيجة الإصابة بفيروس خفافيش نادر وغير قابل للعلاج    حكيم العرب "أكثم بن صيفي" يصف رسول الله وهو الرابعة عشر من عمره الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دواعي الأساليب القديمة وامتداداتها الحاضرة
نشر في عدن الغد يوم 05 - 07 - 2019

لم تكن وظيفة الكتابة في أي وقت من الأوقات منذ بداياتها وطيلة عصورها ومراحل تطورها هي الإقناع فكل الأفكار أياً كان نوعها تظل خاضعة لمنطق الاحتمال وحتى النظريات المثبتة مهما بدت وثيقة ومؤكدة تظل في هذه الدائرة، دائرة الاحتمال بالضرورة، فلا يوجد ما يمكن تسميته بالثوابت إطلاقاً، فكل شيء يخضع لمنطق المتحولات والتغييرات دائما تبعا لمتغيرات كل عصر ومستحدثاته، أي أن كل شيء يظل بالضرورة في تلك الدائرة "دائرة الاحتمال" ولا ينبغي بأي شكل من الأشكال فرض التأكيدات على أي فكرة وممارسة الإقناع من خلال فعل الكتابة حول أي فكرة.
مع الأسف فإن معظم الكتابات تلازمها هذه الممارسات بشكل واضح او بشكل ضمني وكأن ما يقوله الكاتب مفكرا كان أو فيلسوفا كلام مقدس ينبغي دائما وبشكل مطلق -كما يحاول هو ان يفرض على المتلقي ذلك من خلال ممارسته- أن يتبعه المتلقي ولا يتجاوزه ولو حتى برأي معارض.
سميت هذا التوجه في الكتابة بأسلوب الشحات ليس من قبيل الإهانة أو الإساءة لمن يكتب ولكن من قبيل طبيعة هذا الأسلوب التي تتسم بالمحاولات المستميتة في الاقناع من اجل الحصول على ما يريده الشحات، حتى أنه يكذب وإن لم يكذب في أفضل الحالات فإنه يبالغ جدا في وصف حالته وهذه وسيلته للإقناع.
وبالمثل نجد معظم المؤلفات والكتابات تمارس هذا الفعل لتحقيق غاية يريدها الكاتب على مختلف توجهاته، وليس بالضرورة أنه يبحث عن المال أسوةً بحال الشحات الذي شبهناه به بل له غايات قد تكون مادية وقد تكون معنوية وقد تكون مزيج بين ذلك وهي غايات تتسع لتشمل السياقات الكبرى في كافة المجالات بما في ذلك السعي إلى الحصول على السلطة الكاملة والسيطرة المطلقة على فئة أو شعب أو حتى امة.
لو قلنا أن القناعات تمر بثلاث مراحل الأولى مرحلة الرأي والثانية مرحلة القناعة والثالثة مرحلة العقيدة وهذه الثلاث المراحل أساسها الفكرة فقط ثم تسعى المستندات التي تتكئ وتستند عليها هي نقطة القوة لجعل هذه الفكرة تنحو إحدى تلك المناحي الثلاث والممارسة لتحقيق ذلك لطالما اتسمت بأسلوب الشحات في الإقناع للحصول على ما يتغيأه صاحب الفكرة.
ويمكن التشبيه لذلك بمثال حيوي وهو أن الفكرة تمثل سطح الطاولة والأرجل التي تستند عليها هذه الفكرة هي المرجعيات التي قد تقل لتكون الفكرة هنا مجرد رأي وقد تكثر قليلا لتكون الفكرة في مستوى القناعة وقد تكثر اكثر لتصبح الفكرة في مستوى العقيدة.
وكما قلت فإن الأفكار وكل المستندات التي تستند عليها تظل في مجال الاحتمال بالضرورة ومن هذه الرؤية نجد أن الاستماتة في جعل الأفكار مطلقة وعقائد مهما بلغت مستنداتها ومرجعيتها من الوضوح لن تصل إلى مرحلة العقيدة المطلقة إلا من خلال ممارسة فن الإقناع وهو الذي يختص به الشحات بدرجة أولى.
لقد فرضت التوجهات القديمة للكتابة، التي ما زالت تتبع كنموذج حتى يومنا هذا، أن تتسم كل أنواع الكتابة بأسلوب الاقناع سواء كان ذلك مباشرا صريحا أو ضمنيا، بقصد او بدون قصد، وقد كان مبعث هذا في معظم الحالات طبيعة انظمة الحكم السائدة والحالة الاقتصادية التي كان يعاني منها الكاتب بكل توجهاته فلا يجد بدا في أن تتسم كتاباته بهذا الأسلوب صريحا وضمنيا وإن لم يكن ذلك من اجل السعي وراء إرضاء النظام فمما لا شك فيه أنه كان من اجل الحصول على غايات أخرى كالتعبير عن النزعات القومية التي كانت تنبذ اي فكر يقترب من الشعوبية او الانتصار لأي ثقافة أخرى، عدا ذلك وفي أبسط الحالات فإنها كانت لغاية الحصول على ما يعين الكاتب على مؤونة الحياة وتبعات المعيشة.
إن الكتابة في غايتها هي محاولة للتعبير عما يدور في ذهن الإنسان، كتوجه رئيسي يفترض أن تكون عليه، سواء كان ذلك الفكر ذاتيا وجدانيا أو علمياً يبحث في التنظير والتأطير للأفكار بشكلها الموسع، لكن هذه الغاية لا تفرض بأي شكل من الأشكال على المتلقي ضرورة وجوب اتباعها والاقتناع بها بل وهو الأهم طرحها بعد التأكيد على أهميتها وإمكانيات نفعها موضع النقاش والتأمل في محاولة للإضافة إليها أو تطويرها بما يخدم الإنسان. مع اليقين بأن هذه الخدمة لا تحتمل الثبات التام مهما اقتنعنا بأنها قد وصلت إلى نهايتها من الثبات.
إن محاولات الإقناع المستميتة في أي فكر يتم طرحه ليست في أقصى غاياتها، كما تفرض عملية الاقناع، سوى محاولة فرض سيطرة ذهن على ذهن آخر ومن ثم التحكم فيه، لإن طبيعة الاقتناع بأي فكر لا ينتج عنها في أفضل الحالات سوى الاتباع الأعمى لما استطاع أن يجد لنفسه وجوداً في أذهاننا يعبر عن الاقتناع به وقد يتطور إلى موضع الاعتقاد والاعتقاد المطلق به، سواء كان فكرا أو بشراً.
إن أفضل الممارسات الفنية والثقافية والإعلامية كذلك هي تلك التي تعبر عما يجب أن يكون عليه حال الفكرة بعيدا و تخبر عن الحال دون ممارسة أي محاولات إقناع تمثل ضغوطا على المتلقي هي تلك الآثار الفنية والأدبية والإعلامية التي يتعمد صاحبها أن تكون ذات نهايات مفتوحة التصور يشارك في انتاجها المتلقي كلاً وفقا لقدرته وإمكانياته على التخيل والتفكير بحيث أن هذه العملية تجسد فعل المشاركة بين المتلقي وبين الكاتب.
إن الثقافة الإنسانية هي ثقافة متحولة وغير قابلة للثبات مطلقا وهذا نتاج طبيعي لما تفرضه الطبيعة البشرية من تناقضات في الحال وعدم الثبات على حاله فالإنسان هو كتلة من المتغيرات في المشاعر وبالضرورة الأفكار والحالات. فما يصدق على حالة من حالاته من الأقوال والأحكام لا ينبغي بالضرورة أن يصدق على حالات أخرى فنجد مثلا أن الإنسان، وهذا يشمل كل الثقافات الإنسانية بلا استثناء، يقول تعبيرا عن حالة هو فيها "الأقارب عقارب" لكننا نجده في موضع آخر وتعبيرا عن حالة أخرى "أهلك ولو رموك إلى المهلك"، كما يقول أيضا في حالات "حلاوة الإنسان في حلاوة اللسان" لكنه في حالات أخرى يقول "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب" أو "خير الكلام ما قل ودل"، وهذا ذاته هو ما يحدث في كل الثقافات الأخرى بلا استثناء وفقاً لما تفرضه الحالات فما يصدق على بعضها لا يصدق بالضرورة على حالات أخرى. وتبعا لهذه الطبيعة المتحولة دائما في المشاعر والحالات نجد ان الفكر بالضرورة ليس سوى امتداد لطبيعتها المتغيرة، إذ أن ما نفكر فيه اليوم، ليس بالضرورة ان يكون هو ما نفكر فيه غدا أو بعده، لإن الحالة هي ما تفرض بمعطياتها طبيعة ما نفكر فيه ولذلك فليس من الصواب استخدام فن الاقناع الذي يتصف به اسلوب الشحات في عملية طرح الأفكار العلمية والإنسانية. وإطلاق الحكم بثبات محتواها مهما كان يقين ما تستند عليه من مرجعيات.
إن أعلى مراتب المعرفة الإنسانية هي مرتبة المشاركة، وفعل المشاركة لا يمكن أن يتحقق في ظل ثقافة تمارس فعل الاقناع على المتلقي وفرض الآراء عليه كحقائق يجب الاعتقاد بها، وإننا حين نعترف بقصورنا فلا بد أن نؤمن أيضا بوجود الاختلاف بين البشر خصوصا في عملية التفكير ولذلك فالمشاركة وهي أرقى مراتب المعرفة هي السبيل الوحيد لزيادة إنتاج ما يمكن ان يرتقي بخدمة البشرية وإلى اعلى حد ممكن.
إن ثقافة المشاركة تقتضي التخلي عن أسلوب التلقين الأبوي الذي تتسم به طبيعة المناهج التعليمية كما انه يفرض ممارسة التفكير النقدي التحليلي وفرض أسلوبه على المناهج التعليمية في كافة مستوياتها دون الاحتكام إلى ما تتصف به وعرف عنها من هيمنة أساليب التقليد والحفظ والتلقين التي لن تفعل أكثر من إصابة الذهنية البشرية بالشلل التام ما يؤدي إلى نكوص الأمة وتخلفها عن الركب الحضاري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.