في عدن لم يتبق شيء سوى هذا المكان .. هكذا قالها فلاح ريفي بسيط من أهالي منطقة الحسوة وهو يجاهد لكي يحرث ارض واسعة بنفس فلاحي بسيط بمحمية الحسوة الطبيعية .. قالها ونظر إلى مساحة شاسعة من الأرض طغت عليها الخضرة مشيرا بيدها نحوها .. وأضاف :" لازلنا نجاهد لكي لايتم الاستيلاء على هذه الأرض .. لقد نهبوا كل شيء ولم يتبق في عدن إلا هذه الأرض هي ماتبقى من كل شيء في عدن..
يتحدث الفلاح العدني العقربي البسيط عن محمية الحسوة التي قال بأنه يعمل فيها منذ سنوات طويلة رغم كل الإشكاليات التي واجهت إنشاء هذه المحمية التي كانت عبارة عن مساحات ارض زراعية خاصة بعدد من السكان المحليين قبل سنوات. الطريق إلى المحمية . قبل أيام قادتني أقدامي إلى "محمية الحسوة الطبيعية" الواقعة على ساحل عدن القريب من المنطقة الحرة وللحقيقة فقد ذهلت لجمال المنطقة الزراعية التي تمتد على طول كيلو مترات طويلة . حينما تدلف إلى داخل المحمية تحس بأنك غادرت زمن عدن اليوم ليعود بك الزمن إلى ماقبل عقود طويلة من اليوم عالم أخر وأناس أخر وكل شيء أخر ..
وانت تتجول وسط هذه المحمية يغادر بك الخيال قديما إلى قرون مضت صفحات سابقة من زمن قديم موطنه بساتين الحسيني ودلتا أبين ومزارعها وشريط عدن الزراعي الجميل قبل ان يدمره القادمون من الشمال الذين سرقوا كل شيء . إلى قبل عقد من الزمان كانت عدن هي تلك المدينة التي يحرسها البحر من الأمام وتحفها المزارع الخضراء في العماد وضواحي دار سعد والبساتين وبير احمد واليوم انتهى كل شيء .
أمام عدن بحر خال من كل شيء إلا أطماع اللصوص التي باعت مينائه ودمرت قلعته العتيقة ومبانيها ومن الخلف مساحات ارض شاسعة مسورة يملكها القائد العسكري "مقولة " وغيره . بدعوى الاستثمار تم تدمير كل هذه المزارع وأحيلت إلى ارض صحراء قاحلة ليس فيها من شيء إلا الرمال الحارة التي تعبر بجلاء عن جشع وطمع هؤلاء الذين دمروا كل شيء في جنوبنا العزيز . بدعوى الاستثمار الذي هو في الحقيقة هو استعمار تم الاستيلاء على كل شيء في عدن منذ العام 1994 ، تم نهب الأرض وطمر البحر وتغيرت المسميات حتى كدنا نكون أمام مدينة بلا هوية ..
وحدها "محمية الحسوة الطبيعية" أخر الأماكن التي تحكي صلة الإنسان في عدن بالبحر وبالزراعة والأرض الطيبة والناس الأطيب ، هناك فقط تشاهد المزارع الريفي البسيط بابتسامته الصادقة النقية والذي يحدثك عن سر تمسكه بالأرض ويعبر عن ذلك بأنه تمسك بالهوية .. محمد صالح مزارع من أبناء الحسوة يعمل في المحمية ويقضي وقته في الزراعة وتربية المواشي يقف على تله من الطين صغيرة ويتأمل كل ماحوله ينظر إلى الأفق والى الطيور التي تنتشر في محيط المحمية .
يقضي "صالح " كل يومه في هذه المحمية وبها ومعها يعيش يتحدث إلى "عدن الغد" ويقول :" أخر ماتبقى لنا في عدن هي هذه الأرض نحرسها ونزرعها ونعيش فيها ونعيش لأجلها .. يصمت الرجل قليلاً ثم يتابع بالقول :" كنا نملك مزرعة في الأطراف الشمالية لمدينة الحسوة ولكن لصوص الأرض والانسان الذين ابتلينا بهم منذ العام 1994 .
يتنهد طويلاً قبل ان يكمل قائلاً :" تخيلي آتى شخص من محافظة عمران وهو تاجر وله صلات بمسئولين كبار في الدولة وقام بشراء مزرعة واحدة إلى جانبنا ويوم عن يوم وجدنا يتوسع ويقوم بالاستيلاء على المزارع المجاورة حتى بات يسيطر على كل المزارع وبعد سنوات من الصراع استولى على مزرعتي بحجة أنها أرضه .. هل يعقل هذا ؟ سألته لماذا لم يشتكي به إلى الحكومة ؟ ضحك بمرارة :" أي حكومة يابنتي هم القضاة والأمن والدولة والجيش وهم اللصوص ايضاً لقد سرقوا كل شيء وبعد ان استولوا على مرزعتي قررت ان آتي إلى هنا لكي اقضي ماتبقى من عمري مزارعا في الأرض التي نحبها وسنظل نبادلها الوفاء لأننا أبنائها ولسنا غرباء عنها لكن كما تعلمين اليوم يراد لهذه المحمية ان تتدمر وتنتهي وتتحول إلى ارض قاحلة لكي يستولي عليها هؤلاء اللصوص .
في محمية الحسوة منظر الخضرة الجميلة والأرض الواسعة والطيور البرية والأغنام وكل شيء ريفي جميل يجعلك تحس بإنك غادرت عدن إلى مكان أخر هو أشبه بحدائق الحسيني أو مزارع أبين في الزمن الجميل الذي لم يعد لدينا منه إلا البوم صور جميلة .. خلال زيارتي القصيرة إلى المحمية تحدثت إلى عدد من العاملين فيها وهالني ماسمعت منهم، يؤكد الكثير من العاملين بأن المحمية تمضي حاليا بجهود شخصية ضئيلة من قبل عدد من أهالي منطقة الحسوة وهم من يقوم بزراعتها وتنميتها . وأكد لي عدد من العاملين ان الحكومة التزمت لهم بصرف مرتبات لكن هذه المرتبات انقطعت منذ أشهر طويلة وحتى اليوم لاتزال مقطوعة بالإضافة إلى ان دعم بعض المنظمات توقف .
تعتبر محمية الحسوة الطبيعية احد ابرز المحميات في اليمن لكم رغم ذلك تقابل بإهمال شديد من قبل الدولة فيما يعتقد أنها محاولات من قبل أطراف كثيرة لأجل الاستيلاء على المساحة الواسعة التي تقع عليها المحمية بهدف تحويلها إلى مشاريع فيد واستثمار. مالايعلمه كثيرون بان محمية الحسوة الطبيعية تعتبر احد ابرز الاماكن التي تزخر بتنوع بيئي فريد هو الأول من نوعه فهي المكان الوحيد المتبقي الذي تحط فيه الكثير من الطيور من انحاء متفرقة من العالم خلال رحلتها بالإضافة إلى ان الكثير من النباتات النادرة توجد فيها .
المجال الأفضل للعائلة من يطوف محمية الحسوة الطبيعية سيجد أنها المكان الأمثل لكي يتم تنشطيها لكي تكون الموقع الذي يمكن للعائلات ان تزوره ويصبح المكان الأول الذي يمكن لهذه العائلات ريادته لكن ورغم ذلك إلا ان الكثير من الجهات تقصر كثيراً في دعم هذه المحمية وإدارتها وهو مايهدد بإنحسار مساحتها وتحويلها لاحقاً إلى أكوام من الرمال تغري ناهبي الأراضي في عدن الذين لم يتركون مساحة شاغرة إلا ونهبوها .
يقول ريدان عقربي وهو احد العاملين في المحمية ان أساس إقامة المحمية تم بعد رفض المزارعين من أهالي المنطقة الاستيلاء على هذه الأرض قبل سنوات وهو ما اجبر الحكومة على إقامة المحمية ورغم إقامة المحمية إلا ان محاولات الاستيلاء على أراضيها لاتزال مستمرة حتى اليوم. من يزور المحمية سيدهش لحجم التنوع الطبيعي والحيواني الموجود فيها فما ان تحط قدميك أرضها حتى تحس وكأنك غادرت عدن إلى مكان أخر أول الأشياء التي تقابلك هي أنواع الطيور المتعددة في المحمية عشرات الأنواع من الطيور البرية والبحرية بالإضافة تنوع واسع في أنواع الأشجار المزروعة في المحمية ..
المحمية ليست مساحة ارض خضراء فقط محمية الحسوة الطبيعية ليست مساحة ارض خضراء فقط هنالك الكثير من الأنشطة التي تمارس في المحمية بينها ان الكثير من العمال فيها يقيمون معرض في المحمية نفسها يعرضون فيه الكثير من الاعمال الشعبية وهو مايعني ان المحمية هي مركز تراث ثقافي أيضا.
كفاح لاينتهي مايقوم به العاملون والقائمون على المحمية اليوم ابسط مايمكن وصفه به بأنها عمليات كفاح متواصلة بهدف الحفاظ على محميتهم على قيد الحياة مشرعة الأبواب في وجه الأسرة العدنية التي ضاقت عليها الأرض بما رحبت بعد ان استولى المتنفذون على كل شيء فيها .. محمية الحسوة الطبيعية أخر الأشياء الجميلة في عدن وهي اليوم تتعرض لمحاولات شتى بهدف الاستيلاء عليها فمن ينقذ هذه المحمية من لصوص الأراضي وناهبي كل شيء في هذه المدينة . من يقف اليوم إلى جانب العمال والفلاحين العاملين في المحمية والذين يشكون اوضاعاً مأسوية صعبة عمرها سنوات منذ ان تخلت الحكومة عنهم ورفعت الكثير من المنظمات الدولية . تقرير اعده: هدى عبد القادر تصوير : علي الصبيحي