مازن رفعت قصة قصيرة قطار اليمن السعيد (الإهداء : إلى روح أديبنا الكبير عبد الله سالم باوزير )
شهدت اليمن اختراع أول قطار بخاري ضخم في اليمن ، اخترعه يمني أمضى عشر سنوات من عمره في صناعة هذا القطار ، وقد أطلق عليه اسم قطار اليمن السعيد ، لأنه سيحمل على متنه كل سكان اليمن ، ويسافر بهم إلى المستقبل ، إلى يمن سعيد . وبينما المسافرون يصعدون القطار ، أحضر العمال الحطب وقوداً للقطار ، فاستوقفهم مخترع القطار : _ ماذا تفعلون ؟ _ لقد أحضرنا الحطب الذي سنستخدمه وقوداً للقطار . _ ومن قال لكم إن وقود هذا القطار هو الحطب ؟! نظروا إلى بعضهم في تساؤل قبل أن يقولوا : _ أليس هذا قطاراً بخارياً ؟! _ بلى . _ إذن فهو لا يسير إلا بالحطب ! _ صحيح إن هذا القطار بخاري ، لكنه لا يسير بالحطب ! _ ألغز هذا ؟! ويبدو أن الحيرة التي ارتسمت على وجوههم كانت وقوداً لخيلائه وانتشائه وهو يقول : هنا تكمن عبقرية الاختراع اليمني ! بدأ العمال يتغامزون فيما بينهم بسخرية لاحظها لكنه واصل قائلاً بلهجة صارمة : إن وقود هذا القطار هو أجساد بشرية! صدمتهم الجملة الأخيرة التي بدت كأنها تخرج من فم تنين ، فهتفوا مستنكرين : هل جئت لتسافر بنا إلى المستقبل أم إلى الجحيم ؟! أشار لهم بالهدوء ، وقال : لا تقلقوا فهذا القطار يسير على نوع معين من الأجساد البشرية ! _ نوع معين ؟! ماذا تقصد ؟! _ أقصد أن وقود هذا القطار هم الأدباء ! _ هل جننت ؟! أتريد نخبة من أدباء بلادنا أن يصبحوا وقوداً لقطارك ؟! _ أجل ! _ يبدو أنك فقدت عقلك ! فلن يقبل الأدباء بذلك ! _ بل سيفعلون ! _ ما الذي يجعلك واثقاً هكذا ؟! _ لأن الأديب شمعة تحترق من أجل الآخرين . _ ها قد قلتها بنفسك ! . . شمعة وليس وقود ! _ سترون بأعينكم ! نادى المخترع الأدباء : يا معشر الأدباء ! . . يا أمل الأمة ! . . هل أنتم مستعدون لتضحوا بأنفسكم من أجل شعبنا ؟! _ بالطبع مستعدون ! _ إذن فهذه هي اللحظة التي يمكنكم أن تثبتوا زعمكم ! _ ماذا تعني ؟! _ إن هذا القطار لن يتحرك ابداً إلا إذا أصبحتم أنتم وقوده. _ ولكن الحطب . . _ إن هذا القطار لا يسير بالحطب ، بل يسير بكم أنتم ! . . فإذا أردتم أن يعيش شعبنا مستقبلاً جديداً ، فهذه هي الفرصة ، أما إذا رفضتم فسيبقى يعاني الفقر والجهل والمرض ، والقرار لكم . نظر الأدباء إلى العيون المتوسلة إليهم ، فلاحظوا طفلاً بريئاً يمسك قلماً ، وقد أخذ يشخبط على ورقة ، فابتسموا ، والتفتوا إلى المخترع هاتفين بصوت واحد : نحن لها ! أطلق القطار بخار الإبداع في الهواء ، وبدأ يسير في طريقه نحو المستقبل ، وفي منتصف الطريق ، همس أحد العمال للمخترع قائلاً : هناك شيء لم تفكر به ! _ وما هو ؟! _ كيف سيعمل القطار مرة أخرى وقد استنفدت كل الوقود الذي لدينا ؟ ضحك المخترع ، وقال : _ لا تقلق ! فكل من سيحمل قلماً سيكون وقوداً لقطاري حتى لو كان رضيعاً . ثم أطلق ضحكة عالية وصلت إلى مسامع الركاب الذين احتاروا في تمييزها .