الوضع السياسي في بلادنا يثير فضول من ليس لديه أدنى إهتمام بمسالك السياسة وأبواقها، كما أن ذلك العبث السياسي الحاصل اليوم أرغم من كان لا يفكر أن يجيل في مخيلتّه ولو للحظات بسيطة مسألة في قضايا السياسة، على صرف ساعات في عناء التفكير بهموم سياسة بلاده ومحادثة نفسه في بعض خباياها ومجادلة الآخرين في تناقضاتها والخوض معهم في محاولات لفك طلاسمها وحل ألغازها المعقدة والمحيرة، ومع كل ذلك لا يخرج بتفسير منطقي لأحداثها الضارة وغير المبررة، وافرازاتها التي تنعكس بصورة سلبية وقاسية على مجرى حياة المواطن وتذيقه أصناف من البلايا والاوجاع، ومنها ما حدث خلال الأسبوع الماضي من إندلاع اشتباكات مسلحة في دارسعد وحدوث أعمال اغتيالات متفرقة لجنود وضباط في الأمن والدفاع وكوادر مدنية نجا البعض منهم وقتل آخرون وكان من ضحايا تلك الاعمال الجبانة عملية إغتيال مدير البحث الجنائي في شرطة المنصورة الرائد صلاح حجيلي حيث وقعت تلك العملية في شارع مزدحم على مقربة من مسكنه وفي وضح النهار، وهرب الجناة وكأن شيئاً لم يحدث، كما اغتيل في اليوم التالي في خورمكسر مدير البحث الجنائي في شرطة العريش الرائد سالم لهطل وفي ظروف مشابهة ولم يعثر على الجناة!. حقاً فالوضع الأمني والسياسي في هذه الايام وقبلها ايضاً، هو عجب عاجب، فبعد التصادم والصراع الأخير الذي حدث في شهر أغسطس الفارط، وتوصّل بعدها المجلس الإنتقالي الجنوبي وحكومة السلطة الشرعية إلى إتفاق يفترض أن يذيب الخلافات ويصلح ذات البين ويخلق أجواء صحية للتجانس وتقارب الرؤى والعمل المشترك الذي سيساعد في إنجاز كثير من القضايا الوطنية ويحقق بسط الأمن والإستقرار الذي فقدته عدن بشكل خاص والمحافظات الأخرى، ويؤدي أيضاً إلى توحيد الهدف من أجل القضاء الكامل على تمرد المليشيات الحوثية. لقد كانت آمال الشعب كبيرة بعد الإعلان عن توقيع طرفي الصراع على إتفاقية الرياض تلك الإتفاقية التي تبلورت روح وثيقتها في ظل رعاية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الامين محمد بن سلمان وولي عهد دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، فخال الشعب حينها بأن إتفاق الرياض سيكون البلسم لجميع مشاكل البلاد ولعودة الإستقرار وإصلاح الكثير من الأوضاع التي تمس حياة المواطنين في عدن وبقية المحافطات الجنوبية والطريق الصحيح لحلول السلام في جميع الأراضي اليمنية. ولكن ولسوء الحظ لازال ذلك الإتفاق أسير لتلك الوثيقة ولم يمض بإنجاز بنوده حسب تسلسلها المنتظم وخلال مساحتها الزمنية المحددة، ولا يوجد تعليل لذلك سوى إنعدام الإرادة الوطنية الصادقة من الطرفين. أما بالنسبة لعودة الحكومة إلى عدن، وبشكل غير منتظم ودون تحريك بقية بنود إتفاق الرياض فذلك بمثابة العودة بالاوضاع المحتقنة التي سادت عدن والمحافظات الجنوبية قبل أحداث أغسطس الماضي إلى الواجهة، وهذا قد يهدد بإنهيار إتفاق الرياض وخاصة بعد التصعيد الأخير والذي بلغ إلى حدِّ التهديد بالمواجهة العسكرية بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الشرعية بعد الخلاف الذي نشأ حول قضية تعزيز قوات للحماية الرئاسية في قصر الرئاسة في عدن. واليوم والبلاد على حافة الهاوية فهي تستغيث وتبحث عن قيادة دولة تتشبث بها لتنتشلها وتصونها، فلم تجد أمامها سوى إزدواجية متنافرة تسيّر دفة الحكم في البلاد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.