في صباح يوم عيد الفطر كانت الشمس تحجب نورها عن المدينة والسحب والغيوم تملئ السماء اصفرار ضوء الصباح لم يشع بعد والمطر بدأ رذاذ خفيف على المدينة لكن الناس كانوا سعداء بقدوم العيد رغم الحزن ومعاناة الناس بسبب الحرب إلا أن يوم العيد كان يوم مختلف عن سائر الأيام استيقظت فيه حنان من نومها و تكبيرات العيد تعلو المساجد تردد بصوتها الملائكي تكبيرة العيد مع صوت المؤذن وهي تنادى و تشير إلى أمها بيديها المعصوبة بقماش من القطن بين يدي حنان وضعتها أمها في الليل قبل نومها بعد مناكدة ومحاولة حتى استجابت لها حنان واقنعتها أمها بأن غدا صباح عيد الفطر فبسطت حنان كفيها الناعمتين بعد أن أشعلت البيت نشاط وحياة وهي تتشرط وتتدلل على امها فوضعت لها ملابسها الجديدة بجانبها قبل نومها استجابت لرغبة حنان وهي تردد بكرة عيد ياماما بكرة عيد ياماما. كان الليل طويل على حنان فتمنته يمضي ولا يقف حاجز بينها وبين صباح العيد أغمضت حنان عينيها ونامت بعد ان نقشت أمها أيدي حنان بالحناء وعصبته بقماش من القطن حتى لا تنثره على فراشها .. اخذتها امها تغسل يديها بالماء حتى تبينت تلك الخطوط الحمراء بالوانها الزاهيه على يديها الصغيرتين فاضاف جمالا على جمالها لبست حنان حلتها الجديدة وحذاءها الاحمر مع لون فستانها الاحمر ونقشة الحناء تزين يديها وتكبيرات العيد لازالت تعلو في المساجد فوقفت أمام الباب تنتظر أباها عائدا من صلاة العيد وما أن رأته قادما من المسجد حتى اسرعت تجري إليه فلقطها من الأرض بيديه مثل الدمية القطنية الصغيرة الناعمة فارتمت مستلقية بين أحضانه فقبل وجنتيها وأخذ ينغنغها بحنان وعطف أبوي يناجيها ماهذه الثياب الجديدة ومن سوى لك الحناء وهي تردد عيد يابابا عيد يابابا وسرعان ما أخذت عيديتها من اباها وركضت مسرعة تحتفل مع الأطفال في ساحة الحارة الى المراجيح وشراء البالونات والحلوى الملونة والفراقيع المدويه بينما يقف الرجال في الحارة أمام المسجد بعد صلاة العيد يوزعون العيدية على الأطفال و الوجوه مشرقة وسعيدة في فرح وبهجة كان العيد سنحة لأهل المدينة تجدد فيها الأماني ورغبة للسلام والأمن بعد معاناة الحرب وويلاتها كان الفرح والسرور ضاهر على الاطفال وهم في ثيابهم الجديدة في ساحة الحارة حيث المراجيح كان الأطفال يلعبون ويغنون وحنان معهم جالسة على المرجيحة فكلما طارت المرجيحة إلى الأعلى في الهواء خافت حنان فتمسك بيديها الصغيرتين قبضان المرجيحة وتطلق صوتها لكنها سرعان ماتعود الى الضحك ولابتهاج حين ترى الأطفال معها يضحكون ويرددون أهازيج و اغاني يرددها الاطفال في العيد كان ضحكاتهم صادقة ونابعة من القلب و سعادة الاطفال لاتوصف ابتهاج في العيد وهي كافيه لنبذ الحزن وشبح الحرب عن المدينه لكن السعادة قد لا تكتمل وفرحة العيد وسعادة الاطفال وامنياتهم لم تحقق والعيد لم يعد عيدا بل كان كابوس مخيف في لحظة كان الخوف والرعب وانفجار ضخم هز أرجاء الحارة واصوات ترتجف الأرض لها و طلقات تقذف حمم ملتهبة و الدخان الأسود يتصاعد من ساحة الحارة وكتل النار تتساقط قذائف متتالية حيث يلعب الأطفال في مكانهم الذي اعتادو اللعب فيه وأئدت فيها ضحكاتهم وامنياتهم البريئة حتى اصبح الأطفال اشلاء ممزقة ولحم مشوي على تراب الارض وبقايا أجزاء متفارقة من أيادي وأرجل متناثرة على ارض احرقت بنيران القذائف وارتوت الارض أحمرار بدماء زكية وأرواح طاهرة وماتت فيها الأحلام الصغيرة والوجوه البريئه وخيم الدخان الاسود شبح كئيبا يجوب المدينة حدادا وحزنا بينما حنان الصغيرة لم يراها أحد ..ولكن الكل عرف يد حنان المنقوشة بالحناء.. كان ذلك هو ما بقي.