استطاعت المملكة العربية السعودية أن تولّد شحنةَ غضب عارمة في أنحاء اليمن بشطريه؛ وكل هذا الغضب الطافح، لم يكن عن قصد من المملكة، وإنما كان خارجًا عن النطاق، ولم يكن حيز التدارك ولا التخطيط. ففي الشمال تقوّى الحوثي، وتماسك، وتطوّر، فهيمن على الشعب بقوته وبطشه، واكتسب عواطف واسعة؛ إما لرؤية العدو-وهو التحالف- أكثر ضررًا، بقصفه وغاراته التي جاءت بعضها متشنجة، أو لأن الحوثيين أغلقوا باب الديمقراطية التي كانت طابعًا في اليمنيين إبان حكم صالح..فصارت المعادلة: لا مجال لحرية التعبير؛ إن لم تكن معنا، فأنت ضدنا. ولا يمكن أن نتسى مشهد أسبوعٍ دامٍ في أبناء حجور، وما حصل لهم من الحوثي من قتل وتعذيب، لا يتخيله عقل، ولا يتحمله قلب!.
وكأن لسان الشماليين يقول: كان التحالف أمل إنقاذنا، فتورطنا أكثر، فليس ثمّ خيار إلا الصبر. أما المناطق المحررة، وبالتحديد مناطق الجنوب، وبالتحديد الأكثر: أبين.. محافظة النزاع، وبؤرة الصراع بين الحلفاء الشركاء الأعداء!. وقف هذا الفريقان صفًّا واحدًا في مجابهة الحوثي، في مساندة التحالف وإعزازه وتمكينه؛ فكانوا قوته في الميدان، وساعده الذي لا يُلوى، وعصاه التي لا تنكسر. شاءت السياسة والمصالح أن يصنعوا من القوة الواحدة، قوتين مُتعاديتين، مختلفتين.. وبقي عدد قليل لم يتشطر، ولم يخضع للسياسة القذرة هذه، فبقي في جبهات ضد الحوثيين، مخلفًا وراء ظهره نتن هذه السياسة الانتهازية الإقصائية. في هذه الأيام على وجه التحديد: حان وقت انسحاب قوات الشرعية، وقوات الانتقالي من نقاط التماس بينهما، وتسليم الأسلحة، أو العودة نحو المعسكرات.. تحديدًا ما بين الشيخ سالم، وقرن الكلاسي، يكمن الفريقان، ويقترب الحطب من اللهب.. وكل فريق يعزز وجوده ويوسع نفوذه..ويزداد قناعةً بسلامة الطريق!. 5كيلو مترات أو أقل هي المسافة الفارقة بين القوتين. بدأ قرار الاتفاق السعودي يتململ بين الضفتين، بينما بقي الفريقان في صمود وثبات.. دون استماع لرأي المملكة، ولا تفهم لحقيقة الاتفاق، ممثلا بقادته والموقعين عليه.. ليس لأن المملكة ضعيفة، ولكن: لمحسوبيات، أو لأن القوة لم تعد حكمًا في مشاهد اليمن الأشد دمويةً وعنفًا. والسؤال الأهم والأدق: إن لم تنسحب القوى المستحدثة، هل سيقوم التحالف بقصفها أو قصف أحدها؟!
هل سيقوم بإخماد الفتنة وتثبيت الأمر وتحقيق بنود الاتفاق على أرض الواقع، أو أن هنالك عداءً جديدًا سيحصل، شبيها بالطرف الحوثي الذي صمد في وجه التحالف خمس سنوات، لم تضره الغارات، ولم تحجبه الطائرات-سيتخوف من افتعاله التحالفُ-؟!. هل ما تزال المملكة ذات قابلية جديدة، تصنع بها من الحليف عدوًّا ثانيًا، ومن المناطق المحررة، مناطق مستهدفة، لتخرج بذلك عن الهدف الذي جاءت من أجله؟! وبذلك فالمملكة ستجد الدائرة تعود من جديد، وكأن خمس سنوات بخساراتها وعنائها وتضحياتها ودمائها، -كأنها- ما كانت، وكأنت خمس سنوات عجاف ما حصلت!. كأنما هي أموال هائلة جمعها فقير كادح، بأشد عناء وجهاد، فلما قبضها، ألقاها إلى النار، فذهبت!. فلا قدّر العناء، ولا قدّر المال!.
-ما لا يخطر بالبال: أن المملكة ليست قليلة الخبرة والسياسة، ولا هي بالبلهاء الساذجة.. ولكن: ربما تخرج الأمور عن السيطرة، وتصير القوى الجبارة، كقشة قصمت ظهر بعير. -لقد تدخلت أطراف أكثر مما كانت قبل العاصفة، وصار أكبر جريمة فعلها التحالف فجنى بها على نفسه، أنه أطال أمد العاصفة، فبدلا من عصفها بالعدو المرسلة إليه، هاهي قد انعكست، وتكاد العاصفة أن تعصف بنفسها. -إذا رفض أحد الفريقين تنفيذ اتفاق جدة حسب بنوده وزمانه، فإن قرار القمع للمخالف لا يمكن أن يصنع استقرارًا، ولا أن يحقق الأهداف المرجوة، بل ستتسع دائرة الخلاف، وتخرج الحرب عن نطاقها، وتعود على مسألة الدور. -أرجو أن يتفهم الإخوة أن طرفًا ثالثًا، يمارس عملية الشق، ويسعى أن يلتهم ثمار الاتفاق المباركة، وجهود الليالي والأيام التي صنعها الرجال في أيام عصية دامية.
-هل سيقصف التحالف أبين؟ -هل سيواجه التحالفُ القوى بالنار؟! -هل ستتحقق الأهداف المرجوة من القصف، وبالتالي ستتحقق إرادة الاتفاق المزمع في المملكة؟ -هل المملكة-خصوصًا-بحاجة لبرنامج غارات جديدة يتم توجيهها نحو الصديق، والحليف؟! -هل المملكة جادة أساسًا في هذا الاتفاق، أم أنها جعلت فيه بنودًا، لا يمكن أن تصنعه، وبالتالي ينال الاتفاق جزاء من نوع آخر؟! -ما الذي يجري؟! -في النهاية: ما تزال المملكة تواجه أضرابًا من الحروب المختلفة، وذلك سعيًا لإضعافها وخلخلتها وتشتتها وإفشالها، ولكن ستبقى هي عاصمة الإسلام الكبرى، وقوته ودرعه ودفاعه، وستفشل كل المخططات والتدبيرات، وستتجاوز كل العقبات والألغام الفاسدة.