على بعد ثلاثمائة ميل وأكثر من جبل تشيمبورازو في الإكوادور ، يقول هربرت جورج انه يقع وداي جبلي غامض ومعزول عن عالم البشر ، هذا الوادي لا يزال مفتوحاً قبل سنين طويلة ، بحيث كان يمكن للناس أن يفدوا إليه عبر ممر ثلجي ، حيث أتى إليه بعض الناس، فارين من فجور حاكم إسباني لعين ، وأتى بعدهم انفجار زلزال هائل محدثاً رجفة، وعزل (بلد العميان) الى الأبد. في هذا البلد كان الوادي يزخر بكل ما تشتهيه الأنفس، لكن شيئاً واحد كان يعكر صغوهم، بل كان كافياً لإفسادهم بشدة، فقد حل عليهم مرض غريب تسبب في جعل الأطفال الذين يولدون لهم هناك -عميان بل حتى ان كثير من الاطفال الأكبر أيضاً - عميان . بعد ردح من الزمن في الجيل الخامس عشر ، تصادف ان وفد عليهم رجل (مستكشف انجليزي) قادماً من العالم الخارجي . قبل ان يكمل الرجل طريقه نحو المنازل ،كان الرجال يتثاوبون في صف واحد أثناء مشيهم ، كان متأكداً أنهم عميان، وتملكه هذا الاقتناع ، وسرى بخاطره ذلك المثل القديم : ((في بلد العميان يكون الأعور ملكاً )) . ومع شعوره بأنه إزاء مغامرة عظيمة ، أنطلق صوت رجل كبير في السن، وبدأ يستجوبه ؛ فوجد الرجل نفسه يحاول أن يشرح لهؤلاء الشيوخ القابعين في الظلام في (بلد العميان) طبيعة العالم العظيم الذي سقط منه، ويحكي لهم عن السماء والجبال والإبصار وما شابه ذلك من عجائب، فلم يصدقوا او يفهموا أي شيء مما كان يخبرهم به،وهو ما كان خارج توقعاته تماماً ، بل إنهم لم يفهموا كثيراً من كلماته، فلأربعة عشر جيلاً ظل هؤلاء الناس عمياناً ومنقطعين عن العالم المبصر. وبعد محاولاته البائسة لشرح حاسة الإبصار لهم، حصروه في زاوية بوصفه نسخة مرتبكة من مخلوق بدائي يصف عجائب أحاسيسه المرتبكة ، الأمر الذي جعله يفتر تحت وابل هجومهم، ويستسلم لاتباع تعليماتهم، حيث تولّى كبير العميان مسئولية تعليمه أمور الحياة والفلسفة والدين ؛ وهكذا أصبح الرجل أحد مواطني (بلد العميان) . وبينما كان العالم فيه وراء الجبال يبعد اكثر واكثر ويغدو غير واقعي، تعرف الرجل على صغرى بنات الشيخ ،واعتقد بأنه إن استطاع الفوز بها، سيقتنع بالعيش في الوادي ما تبقى من أيام حياته ، لكن ما أن تقدم لخطبتها حتى كانت هناك معارضة شديدة لزواجهما من شيوخ العميان الاخرين لما يعتقدونه بأنه أخرق. وبعد مشاورات عديدة ، كان الطبيب العظيم بين هؤلاء الناس، ويملك عقلاً حكيما وخلاقاً ،وقد راقت له فكرة علاج الرجل لتخليصه من خصاله الغريبة ،قال الحكيم والطبيب( إنه لكي نعالجه تماماً ،هو جراحة بسيطة؛ وبالتحديد، إزالة تلك الأجسام المزعجة ويقصد عينيه ) وبعدها سيصير عاقلاً ؟؟! لكن هذا الخبر السارّ بالنسبة للفتاه صدم الرجل؛ وشعر بالغضب من تصاريف القدر القاسية، فلم يذق طعم النوم طوال الأسبوع السابق لموعد العملية التي هدفت إلى رفعه من منزلة التبعية والنقص إلى منزلة المواطن الأعمى. لقد كان يغمره الشعور بالشفقة لحاله ولحالها ، او يهيم على نفسه بلا هدف ،إلا أنه هرب اخيراً من وادي العميان الذي كان يظن أنه سيكون فيه ((الملك)) ، هرب بعد ان همس لتلك الصورة العزيزة على قلبه : (وداعاً! وداعاً !). وهكذا ، حيث (الرؤية) أكثر الخيالات شاعرية ، انقضى ألق المغيب، وهبط الليل، على تلك الحياة التي ما زال يتذكرها الرجل عن حسافة وقهر لهؤلاء العميان ، لكن ماذا لو كان هذا الخيال قصة تسرد أصل الواقع ؟ فعلى الرغم من أننا نبصر هذا العالم الممتد من الشرق الى الغرب ، و بين أيدينا كل الوسائل لمعرفة كل شيء عن أي شيء ، إلا أننا نؤمن بشيء واحد فقط، وهو ما يقوله الناس ويسمعوه و يتناقلوه اباً عن جد ، بغض النظر أكانت هذه المعرفة عن دراية تامه او جهل في عالم سحيق مثل (بلد العميان) .