في إبريل من العام2011 م أعلن عن المبادرة الخليجية التي حملت يومها إتفاقا سياسيا قضى بنقل سلطة الحكم وتشكيل حكومة وفاق مناصفة بين حزب الرئيس صالح واحزاب اللقاء المشترك القالب السياسي لثورة الشباب آنذاك .. جاءت المبادرة الخليجية بمثابة التدخل السياسي العلني والصريح للاشقاء في الشأن اليمني المضطرب جراء رياح التغيير وعدوى ما سمي حينها بثورات الربيع العربي .. بعد سلسلة مراوغات طويلة وحالة من الشد والجذب السياسي بين اطرافها تم التوقيع أخيرا على المبادرة الخليجية المعدلة في نوفمبر من العام نفسه وعلى إثر ذلك استلم هادي السلطة رسميا مطلع العام التالي عدا ان أجواء الشحن والتوتر السياسي لم تغب طيلة تلك الفترة التي اعقبت توقيع المبادرة ،ليشرع هادي سريعا في البحث عن حلول لذلك الامر سيما وان اخفاقات الحكومات المتلاحقة لم تنته قط الامر الذي ساهم بدوره في عودة الاضطرابات والسخط الشعبي الى واجهة الاحداث مجددا . وبالفعل اعلن الرئيس هادي عن مشروعه السياسي الجديد ودعى لأجل ذلك الى عقد مؤتمر للحوار الشامل ضم مختلف القوى والمكونات والشخصيات السياسية بالبلد بما فيها ممثلين عن حزب صالح وجماعة انصار الله الحوثية وحتى بعض الاصوات الجنوبية المعروفة حضرت يومذاك. تحاور الجميع طويلا وخلصوا تقريبا الى مسودة حوار تمهد للمشروع السياسي الجديد المزمع إقراره خلفا لمشروع الوحدة .. كل ذلك الحراك السياسي المرافق لجلسات الحوار الوطني الشامل كان تحت المجهر الاقليمي والدولي وبإيعاز ودعم واضح منه ..فما الذي حدث فجاة عقب الاعلان عن إقرار مسودة الحوار تلك؟ وكيف عادت الامور الى نقطة البداية؟ولماذا انقلبت أساسا قوى الشمال جميعها على ما بدا يومها توافقا سياسيا واعدا،لتسقط البلد بعد ذلك الى هاوية الازمة السياسية والصراع العسكري؟والاهم من كل ذلك !من المسؤول عما حصل يومها ؟.. في الوقت الذي كان فيه الرئيس هادي محاصرا بمنزله من قبل قوى الانقلاب عليه اجتمعت يومئذ كتل الشمال واحزابه بتلك القيادات الانقلابية بعيد اعلانها السيطرة على العاصمة صنعاء؛ وهي بالمناسبة ذات القوى والوجوه التي اعلنت تاييدها وولاءها لمشروع هادي قبل ان تجلس على طاولة واحدة مع قادة الانقلاب عليه لاحقا في مشهد هزلي ومتناقض تحدث عن تسوية سياسية جديدة او بالاصح عن ضرورة ترسيخ مشروع الوحدة ولكن بنكهة إمامية متجددة تحفظ بعضا من إستحقاقات الاطراف المجتمعة والموالية لها .. ..مرة اخرى كل ذلك حدث تحت المجهر الاقليمي والدولي ايضا.. تحت جنح الظلام غادر الرئيس المغدور صنعاء خلسة الى عدن جنوبا، بيدا ان قوى الشمال لم تكتف كما يبدو بالتأمر والانقلاب عليه بل تبعته الى هناك ولكن ضمن أرتال عسكرية وجحافل مسلحة بالكامل عكست إستعدادا قتاليا واضحا يؤشر لخوض حرب وليس للقبض على شخص، علما ان سبلا اخرى للقبض على الرئيس كانت متاحة لهم دون الحاجة الى تحريكهم جيوش وطائرات.. لكن يبدو ان الهدف بالتاكيد لم يكن هادي حينها .. عموما جاءت حرب 2015م التي استدعت حينها تدخلا خليجيا أخرا تمثل بتشكيله تحالفا عسكريا ضم 13 بلدا بقيادة السعودية وبدأت بالفعل عملياته العسكرية تحت مسمى إعادة الشرعية ودحر الانقلاب. مضت خمس سنوات منذ ان قامت عاصفة الحزم بذل خلالها الاشقاء جهودا سياسية كثيرة بدعمهم لمفاوضات سلام ولقاءات تهدئة وغيرها بالتوازي مع استمرار عملياتهم العسكرية على الارض بالطبع ،عدا ان كل ذلك لم يثمر بشيئ بل على العكس تماما فقد تكرست سلطة الانقلاب اكثر وبات الحديث اليوم عن التعامل معها كسلطة أمر واقع في الشمال بمثابة الحقيقة المسلم بها ..فكيف وصلت الامور الى هذا الحد؟ومن يتحمل ذلك؟ أفشلت جميع مفاوضات واتفاقات السلام والتهدئة تقريبا في البلد واضحت سلطات الانقلاب هي المتحكم الاول بمصير الشعب في الشمال في ظل عجز وتواطؤ واضح جسدته قوى واطراف بعينها يفترض ولائها وقتالها لصالح إعادة الشرعية وليس تنفيذ الانسحابات التكتيكية وتسليح الانقلابيين اكثر ؛وهنا ايضا لازال ذلك المجهر الاقليمي والدولي مكتفيا بمراقبة ذلك العبث حتى الساعة دون محاولة ايقافه.فلماذا ياترى؟.. يأتي الحديث اليوم عن تنامي مؤشرات الفشل في تنفيذ اتفاق الرياض المكسب السياسي الوحيد الذي بدا وشيكا إدراكه بعد سلسلة إخفاقات طويلة تفنن خلالها الاشقاء في إهدار فرص الحل بل والسماح بممارسة مزيد من عبث وانتهازية قوى الشمال المنتسبة للشرعية. إذ لاعنوان أدق يفسر المعنى الحقيقي من عرقلة بنود الاتفاق والتلكؤ في تنفيذها سوى الرغبة في تكرار ما حدث مع آليات المبادرة الخليجة ومخرجات الحوار الوطني من عرقلة وتنصل قبل الانقلاب كليا رغم ان جميعها كانت تحظى بدعم واهتمام خليجي واوروبي وحتى اميركي كما هي تقريبا حال اتفاق الرياض اليوم الموقع بين حكومة الشرعية والمجلس الانتقالي .. لاشك ان غياب حزم وإصرار الدول الراعية والداعمة لتلك المبادرات والاتفاقات وتجنب التلويح باستخدامها طرقا اكثر صرامة تجاه معرقلي جهودها في تطبيق مسارات الحلول السياسية الماضية والحالية قد شجع كثيرا اطراف الداخل في لعب دور الحليف المتناقض الذي يتهاوى سريعا امام بضع هجمات للعدو تاركا مواقعه وسلاحه غنيمة دسمة له بينما لا يجد حرجا في قطعه مئات الكيلومترات بكل عتاده جنوبا للحفاظ على رأية الشرعية وحضورها هناك ..فكيف يفسر الاشقاء والشركاء ايضا هذا المشهد الغريب في التراخي عن حفظ شرعية مناطقك وجبهاتك امام عدوك القريب والإستبسال لأجل ذلك باتجاه حليفك البعيد؟ في قديم الزمان كان هناك ملك يحكم بلاد شاسعة، قرر ذلك الملك القيام برحلة طويلة في البراري، وبعد أن أنتهى من رحلته التي استغرقت أيام كثيرة، وفي طريق عودته شعر أن قدميه تورمت بسبب كثرة المشي، فأصدر قرارا بفرش الطريق بالجلد حتى لا تؤلمه قدماه مرة أخرى . ولكن أحد وزرائه أقترح عليه بدلا من أن يضع قطعة قماش ناعمة وصغيرة في داخل حذائه، توفيرا للجهد والمال الذي سيتطلبه تعبيد الطريق بالجلد ..إستحسن الملك الفكرة وأذعن لقول وزيره؛ فسلمت قدماه وسلم المال والجهد .. ان ما حدث ويحدث مع الاشقاء اليوم في تعاطيهم مع الازمة اليمنية في إصرارهم على التمسك بنفس الادوات المحلية التي افشلتهم دائما إبتداء من المبادرة الخليجية ومرورا بمخرجات الحوار الوطني الذي نال كثيرا من دعم الاقليم والخارج ووصولا اليوم الى اتفاق الرياض الذي يمثل فرصة حقيقية حال تنفيذه في الانطلاق مجددا نحو تسوية سياسية شاملة تنهي الازمة والصراع يشبه كثيرا إصرار وقناعة الملك في فرش الطريق بالجلد عدا ان ذلك الملك اذعن سريعا لرأي وزيره بعكس الاشقاء الذين بكل أسف لازالوا يجدون صعوبة حتى الان في قبول الواقع وإستيعاب رغبة الداخل الحليف .. ثمة فرصة حقيقية امام الاشقاء حاضرا قد توفر علينا وعليهم عناء ومشقة الاستمرار في هذه الحرب العبثية ؛فما هو باليد اليوم وقد يبدو خيارا متاحا واقرب للتطبيق قد لا يغدو كذلك بعد حين .. ان الحفاظ على الشارع الجنوبي كحليف وثيق ودائم عبر منحه حلا وغطاء سياسيا يهدف لحفظ أمنه وإستقراره الى جانب محاولة دعم إعادة الاصطفاف لقيادات الشمال النظيفة وتأطيرها في كيان سياسي جديد يمثل جغرافيا الشمال في مرحلة الاستحقاقات القادمة مامن شك سيكون هو اولى الخطوات الجادة للمضي قدما في طريق إنهاء الازمة والحرب باليمن،في المقابل فان ذهاب الاشقاء بغير ذلك الخيار الاقرب والاولى سيعني بالضرورة ذهاب جهودهم وتضحياتنا ادراج الرياح وتسليمها عبثا لقوى الوهم والابتزاز التي اتقنت جيدا لعبة تبادل الادوار طيلة سنوات هذه الحرب وماقبلها وللاسف تحت مظلة الشرعية ولحاف التحالف دائما .. فهل يتوقف الاشقاء عن الركض خلف سراب نخب الداء اليماني ويسلكون بهذا البلد الطريق الانسب نحو السلام؟ ام انهم حقا باتوا انفسهم يبحثون عن طريق الخروج من متاهة هذه الازمة عوضا عن امكانية اخراجهم للاخرين منها ؟ ..