عادة ما أجدني صبيحة كل أحد محرجا تماما في الرد على تساؤلات الصديقة باميلا ؛فالناشطة الاميركية باميلا اورتون وعلى مدى عام تقريبا لم تنفك ابدا بعد التحية الصباحية في السؤال عن اخبار الحرب باليمن وفرص السلام المهدرة على حساب إستمرار معاناة الشعب هناك؛ عدا انها في أخر رسالة كانت تبدو منزعجة واكثر تزمتا خصوصا عند حديثنا عن دور المكونات والنخب السياسية وعجزها الغير مبرر في القيام بواجبها الطبيعي تجاه الازمة التي تعصف بالبلد منذ سنوات.. جددت باميلا السؤال ولكن بلغة اكثر تحسرا وصراحة : اين هؤلاء مما يحدث لشعبهم؟ ولماذا لا نسمع لهم صوتا وموقفا واحدا يرفض الحرب وينشد السلام؟ شخصيا ارى ان السؤال الاكثر جرأة وألما هو ! هل بالامكان لمن عجز عن مساعدة نفسه ان يمتلك القدرة في مساعدة الاخرين؟وقبل ذلك كيف اضحت مكونات البلد ونخبه ضعيفة وعاجزة هكذا بل وبلا ثقل سياسي حقيقي يمكن التعويل عليه في تغيير معادلة الصراع القائم اليوم او قل حتى في امكانية بلورتها موقفا موحدا تجاه اي مبادرات او إستحقاقات قادمة؟ " اريد كليبا حيا ..!" هذا لربما هو العنوان الاقرب في تشخيص متلازمة الفشل والعجز التي تعانيها تلك المكونات والنخب في الجنوب وهو تقريبا ما يقف عائقا امام اي تقارب مفترض بينها ،فالبحث دائما عن الحجج والاشتراطات المسبقة والتعجيزية قبل اي جهد او دعوة للتوافق والجلوس بل وحتى في خطاب تفسير العلاقة مع محيطها السياسي كان سببا مباشرا في تعقيد المشهد السياسي اكثر وتلاشي افق الحل والسلام امام حواضنها قبل غيرها .. ففي حين تتقاطر الوفود الوسيطة حاملة معها مبادرات الحل وإنهاء القتال لايزال الزير سالم يعيد اجابته الوحيدة وعبارته الشهيرة امامها في كل مرة : أريد كليبا حيا ..وهل لميت تحت الثرى ان يعود حيا يامهلهل؟! لكنها استعارة الرفض مجازا ولغة التعجيز علنا حين تطلب المستحيل،كما انها في نفس الوقت تعد إفتقارا واضحا للشعور بالمسؤولية وإعتزازا أرعن بالاثم حين تساير نفسك هواها ورغبتها بالانتقام والتشفي،فيما سنوات الحرب الطويلة قد ارهقت قومك واهلكت نسلك وحرثك دون ان تبلغ مرادك يوما والمؤلم انك تعلم ذلك جيدا .. لربما كانت حقبة الزير سالم ضربا من ضروب الجاهلية البائدة، لكن ماذا عسانا القول عن نسخ مشابهة تمارس الفعل ذاته اليوم وتكرر نفس الاجابة في التعبير عن مواقفها تجاه دعوات الجلوس والتحاور؟ في الواقع وانت تتابع تصريحات بعض القادة وخطاباتهم تجاه بعضهم ينتابك شعورا بالخجل والاسئ بأن هؤلاء للأسف هم من يتسيد المشهد النخبوي في البلد. فبلا أدنى إستشعارا للواجب الوطني ولا حتى إستيعابا جيدا منهم للواقع والحال السيئة التي يعيشها مجتمعهم تجدهم يغالون كثيرا في التعبير عن أرائهم السياسية ويلتزمون مواقفا اكثر تشددا وانانية وتحديدا حينما ياتي الحديث عن ضرورة التقارب والتفاهم فيما بينهم.. وذلك بالضبط ما يمكن تسميته بعبث الخارطة السياسية ،هذا طبعا اذا كان يجوز لنا القول قبلها ان الجنوب لديه خارطة سياسية مستقلة وواضحة وتمتلك مكوناته قرارها السياسي المستقل بمعزل عن تأثير ووقع العلاقة مع الحليف والجار .. في مجتمعات البروليتاريا المعدمة وانظمة الحكم الشمولي هنالك حيث الشعوب التي تعيش اغلب فتراتها ضحية للصراعات السياسية المتجددة ودورات العنف اللامنتهية يظل من الصعب جدا الحديث عن اي نجاعة او ديمومة اي جهد او حل سياسي خاصة عندما يكون قادما كليا من خارجها اذ لايمكن الاعتماد بالمطلق على التسويات السياسية المعلبة والمصنعة وفق رغبات ومعايير الصانع والمتعهد الخارجي لذا دائما ما ستجد ان اوضاع الداخل واحوال الناس هناك تسوء وتصبح اكثر تعقيدا مع مرور سنوات الصراع والوصاية .. لطالما ناشدنا ودعونا لمزيد من التقارب ونبذ الخلاف بين المكونات السياسية في الجنوب المحرر حبا وأملا في الخروج من نفق هذه الازمة ..فحالة الفراغ السياسي والانفلات الامني والتراجع الاقتصادي والخدمي لاتواجه بعصا التخندق الحزبي والتصلب في المواقف او التحدث بلغة غير مفهومة؛ على العكس من ذلك ينبغي هنا إبداء المرونة اكثر وتقديم مصلحة الوطن والمواطن أولا قبل التفكير في قائمة المكاسب الذاتية والغوص في حسابات الجدوى من عقد اللقاءات والدعوات مع الاخرين . جميعنا يرغب بالتأكيد ان تضع الحرب أوزارها سريعا وان تنعم البلد بحالة من الإستقرار والتنمية عدا ان هذه الرغبات والاماني لا تدرك ولا تتحقق ابدا في ظل نخب ومكونات تحكمها عقلية الزير سالم في طاعة الذات ومحاباة الحليف .. الى كل النخب والمكونات الجنوبية لايهم كثيرا وليس جيدا التدقيق والتشكيك في نوايا من يوجه الدعوة ويسعى لها طالما وانها تحمل عنوانا ساميا وتمثل واجبا وطنيا واخلاقيا فقط تقبلوا بعضكم واجلسوا سويا على طاولة الحوار الاخوي والصريح افعلوها ولو لمرة واحدة لعلكم تفلحون ويفلح القوم معكم ..على الاقل اجعلوها محاولة لإحياء الامل بأن ثمة كتل وقادة وطنيون لازالوا عند حسن الظن والثقة بهم .. بالمناسبة لم اجب حتى اللحظة على سؤال الصديقة باميلا ،اذ من المخجل جدا ان تعلم ان نصف معاناة هذا البلد واستمرار أزماتها ناجم عن سفاهة طبقته السياسية الجاهلة وتهليل البعض لخطابها المحبط ..