كما تجلو النار المعادن ، وتزيد من بريقها ولمعانها ، شعب الجنوب تصقله المصائب والنوائب وتنقيه المكاره والمحن ، فقد تعود، دوماً ، على النهوض من كبوته مهما عظُمت ، وتمرس على تجاوز الملمات والعقبات مهما كبُرت ، وتعلم كيف يتخطى المؤامرات والفتن ، وينتصر على البعاسيس والخون مهما تآلبوا وتكالبوا . شعب الجنوب لا يستكين، لا يستسلم، لاينهزم ، عصي عن الانكسار، مهما توالت عليه الملمات والأخطار، يقاوم ويقاوم، وسيظل يواصل مشوار النضال، صوب تحقيق الهدف ونيل الغاية، التي رسمها بدماء الشهداء منذ البداية . شعب الجنوب ،دائماً، يقيٌم رجال المرحلة ، يسلٌط المجهر لتفحٌص الأصدقاء والأعداء، فالأصدقاء المخلصون له، يركن إليهم ويأنس بهم ومن ثم يعتمد عليهم والأعدقاء الملتحفون بسربال الخديعة يحذرهم وينتبه لهم ومن ثم يتخلص منهم، وهو كعادته وفيٌ مع الأوفياء، وصارم باتر مع المخادع الماكر، حاضن لكل مكافح عفيف ومناضل شريف، وطارد لكل محتال وعتوال، كبحر العرب . شعب الجنوب يلفظ كل الخبائث والأدناس والجيف . ربما تهب على الجنوب أيام نحسات ورياح عاتيات ، سوف تمتحن معادن الرجال، وتختبر مواقف الشرفاء، من يثبت على العهد ومن يخلف بالوعد، فمن كانوا يرون في الجنوب مجرد مناصب ومراتب ومكاسب ، سوف يتساقطون في مزابل التاريخ مثل أوراق الخريف، وإن كانوا في الصدارة، ومن كانوا يرون في الجنوب عزة وشرف وكرامة ووطن غالي للأجيال القادمة سوف يصمدون ويثبتون في وجه العاتيات والنائبات لا يتزحزحون مثل أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع . وعهدي بكل أبناء الجنوب الثبات على المواقف، إذ لا تستهويهم المناصب والعروش ولاتغريهم الأموال والقروش وكل من حاد على هذه الصفات المتأصلة والمتجذرة فينا من عهد الآباء والأجداد . عليه قبل النكوص أن يتذكر، أن العروش والقروش إلى زوال بينما الوطن باقٍ على الدوام لا يزول .