إنما الشهيد الماس زميلي في الهيئة الإدارية لجمعية أبناء حالمين في عدن ,ورفيقي في الحراك السلمي الجنوبي وقائدي العسكري حين كنت مجندا في منتصف الثمانينات في اللواء التدريبي في العند ,والشهيد الماس قبل ذلك وبعده يعد واحدا من أخوالي ,وهكذا كنت أناديه , وهكذا كان شعوري تجاهه ,فجدتي أم أبي تنتسب إلى بيت الماس المليكي ,رحمها الله تعالى فأولئك (أخوالي) فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
منذ عهد الطفولة وأنا اسمع عن الوالد علي مانع الماس(ابو الشهيد) وعن شعره وقد كان ابناه عبد المجيد رحمه الله وعبدالكريم من زملاء الدراسة في الابتدائية ,لم اسمع في تلك الأيام عن أن الوالد علي مانع هو شيخ او قد كان شيخا فقد كانت كلمة (شيخ) خلال السبعينات والثمانينات في وطننا الجنوب نوعا من السب او الشتيمة . لقد كسر الاشتراكيون شوكة القبيلة ونظامها والقابها في كل انحاء الجنوب وهذا امر مدني وحضاري ولكنهم بالغوا في ذلك وحاربوا القديم بكل اشكاله حتى الجوانب الايجابية فيه.
ولد الشهيد الماس في عام 1984م في حين كان الاحتلال الانجليزي مخيما على ارض الجنوب وكانت المناطق الريفية خاصة تعيش اوضاعا بائسة وفي عزلة تامة عن عالم القرن العشرين وحين انطلقت ثورة 14 اكتوبر ضد الاحتلال الانجليزي من على قمم جبال ردفان الابية هفا قلب الصبي (الماس) الى نداء الثورة فالتحق في صفوفها وهو شاب صغير في 1964م وحين انجزت الثورة هدف الاستقلال في 1967م وشرعت الدولة الوليدة بتأسيس القوات المسلحة الجنوبية كان شهيدنا الماس من اوائل الملتحقين بذلك الجيش الوطني الثوري في عام 1968م
اما قرية الشهيد فهي تلك القرية المسماة ب"الحنكة" والحنكة في اللغة من معانيها المكان المرتفع تسكن هذه القرية قبيلة المليكي ,وهي قرية عريقة معلقة بين وسط الجبال وقممها تطل على ما دونها من المناطق والجبال والناظر منها باتجاه الجنوب يسبح نظره نحو عدن لا يرده شيء الا الافق ,اما ابناؤها فقد عرفوا بذكائهم الفطري وتفوقهم بالدراسة ,كما عرف عدد منهم بقول الشعر مثل الشيخ علي مانع والوالد مثنى محسن ,وحسن بنت الماس وكريمة بنت الماس رحمهم الله و الأستاذ ناجي احمد محسن و شهيدنا هذا الماس علي مانع وآخرين .
كان أول ما تعرفت على هذا الإنسان الطيب المتواضع ,في منتصف الثمانينات من القرن الماضي ,في معسكر العند كان حينذاك ملازم اول ورئيس القسم السياسي في اللواء التدريبي ,لا انسى ما حييت حين سار معي ,صباح ذات يوم إلى مساعد نظام الكتيبة اسمه (عبد الناصر) وكلمه الماس متشفعا لي عنده بعد إن غبت أياما عن المعسكر من غير رخصة لقد انقذني الماس من (صلعه)محققه كانت ستحكم علي بسبب ( هفسنتي) أي غيابي وبعد عام كامل وقد انتقلت الى القوى البحرية حكم علي بالصلعة (صفر) ظلما ولم يكن هناك من يشفع لي فتم تنفيذ حكم الإعدام على (شعري)
كان بامكان الماس عندما كنت لديهم في العند , ان يحولني الى ادارته في القسم السياسي اوالى أي مكان اخر في اطار اللواء التدريبي ولكن الوساطات في تلك الايام كانت قليلة ونادرة وكان الضباط والمسؤولون يتحرجون من الوساطات ويخافون ويحذرون وكان الماس حذرا من ان يتهم بالمناطقية او بالتوسط لأبناء منطقته ومع ذلك فانا لم اطلب منه ان يتوسط لي لابقى مجندا في العند ولم يكن هو الضابط الوحيد من ابناء حالمين في المعسكر فهناك الكثيرون جدا من حالمين وردفان بمن فيهم العقيد هيثم احمد الحجيلي قائد المعسكر رحمه الله تعالى .
وعند ظهر احد الايام كنت واقفا على متن بابور جيش (66) ضمن مجندين كثر لا اعرفهم في طريقنا الى معسكر اخر منتقلين من العند, واذكر انني كنت محطم النفس خائفا من المجهول
كانت قوانين الانضباط العسكري هي السائدة ولها كلمة الفصل في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ذلك الجيش المهني الحديث المتدرب الامين الذي يحمي انجازات الوطن واراضيه ولا يفكر في نهبها او الاستحواذ عليها كما يفعل جحافل صنعاء وعتاولتها الذين يسمون انفسهم جيشا وما هم بذلك .
لقد ارهقنا التجنيد حقا ولكننا تعلمنا منه دروسا لا تنسى منها الصبر والجلد والانضباط ومعرفة الناس والاختلاط بهم , واليقظة والحذر ,وحب الوطن , والدفاع عنه ,وغير ذلك .
وليعذرني القارئ عن هذا الاستطراد .فان الحديث عن افاضل الناس مثل شهيدنا الماس يفتح نوافذ على موضوعات اخرى ويستدعي الذكريات ومحطات الايام وهذه وثيقة الصلة بصاحبنا الماس لانه كان فاعلا ومتفاعلا لا خاملا وكان ايجابيا لا سلبيا وحاضرا لا غائبا او متواريا .
ولكن وجوده هنا وهناك لم يكن صاخبا او مفتعلا لقد كان الرجل هادئا وعاقلا ومتعقلا لم اره يوما منفعلا او متعصبا ثائرا حتى اذا وجد هناك من يستفزه او يثيره فانك تجده حليما ومتوازنا يناقش الامور بهدوء ويفند اراء مخالفيه بعقل وبمرونة يحسد عليها حتى عندما كان في ريعان عمره تجده يتصرف ويفكر ويتكلم مثل شيخ كبير ولا تجده مندفعا او متسرعا بل تجده متأنيا وحذرا قبل ان يقدم على أي عمل او قرار مما اكسبه طريقة ناجحة في الاقناع والمحاورة , وبسط الحديث وكسب العلاقات , لقد كانت مهمته ضمن الهيئة الإدارية في جمعية ابناء حالمين في عدن هي العلاقات العامة وقد كان موفقا فيها رغم الظروف التي تمر بها عاصمتنا عدن ووطنا الجنوب عامة الذي يرزح تحت نير احتلال عسكري وقبلي متخلف وعدواني .
أخونا الماس طيب الذكر ,كان شخصية اجتماعية ناجحة وفريدة يحب العمل الخيري واسعاد الاخرين ومساعدتهم وكان هذا يأخذ من وقته وتفكيره وماله ولكنه كان سعيدا بذلك فعسى الله ان يجعل ذلك كله في ميزان حسناته ,
كان يساعد الطلاب القادمين من الريف , ويشجعهم ويساعد المرضى وكان بيته مفتوحا للجميع , وما يزال كذلك, حتى مخيمات الصوماليين اللاجئين في خرز , عرفته وعرفها لقد استشعر مأساتهم وكان من ضمن الذين يستقبلونهم ويؤونهم ويغيثونهم ويتابعون امرهم في ظل جحود رسمي وشعبي وغفلة لئيمة شاملة ,عن مأساة هذا الشعب المنكوب الذي نسال الله له الهداية والسداد وان يغيروا ما بأنفسهم حتى يغير الله ما بهم .
الماس المرحوم باذن الله له ابن وحيد فمن اصالة الوالد سمى ابنه (حميرالماس) وذهب يبحث عن حمير القبيلة والدولة ويقتني كتبا في هذا الموضوع ,
كان الماس مثقفا ومطلعا ولكنه يمزج كل ذلك بحكمته وطريقته, كان يتميز بحكمة الشيوخ والمجربين وبثقافة القرية الاصلية و اخلاقها , وببساطة الفلاح وسعيه و حكمته , فما اجمل ان يتوج كل ذلك بالشهادة في سبيل حرية الجنوب واستقلاله واستعادة دولته . سلاما عليك ابا حمير وجمعنا الله بك في مستقر رحمته